وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الدِّمَاءَ إِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَدَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ حَجُّهُ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَتَرَكَ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ وَتَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى أَيَّامَ مِنًى، أَنَّهُ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ، بِتَعَدُّدِ أَسْبَابِهَا مَعَ اخْتِلَافِهَا. أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْأَسْبَابُ الْمُتَعَدِّدَةُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، كَأَنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ، ثُمَّ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ آخَرَ أَوْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى فِي غَيْرِ مِنًى ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ، فَلِلتَّعَدُّدِ وَجْهٌ وَلِلِاتِّحَادِ وَجْهٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ ثُمَّ كَرَّرَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ: لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا هَدْيُ تَمَتُّعٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَقَلَّ الْهَدْيِ وَاجِبًا كَانَ لِلتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ شَاةٌ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، كَسُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَلَى التَّحْقِيقِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ فِي الِاشْتِرَاكِ فِيهِ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ الصَّحِيحَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، فَيَكُونُ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ مَا لَمْ يَفْتَتِحِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَإِنِ افْتَتَحَ الطَّوَافَ: فَفِي جَوَازِ إِدْخَالِهِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ، وَمَنَعَهُ عَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَيَكُونُ قَارِنَا، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: هُوَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ، بَلْ جَوَازُهُ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَدَّمْنَا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ، وَيَصِيرُ قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مِصْرَ، وَنُقِلَ مَنْعُهُ عَنْ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيَهُ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحْرِمَ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا أَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، يُسْتَحَبُّ لَهُ أَلَّا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، إِلَّا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِأَمْرِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَحَلُّ هَذَا إِنْ كَانَ وَاجِدًا هَدْيَ التَّمَتُّعِ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَصُومَ، اسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ ; لِيَصُومَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَقْوَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهُ