تَرْكُ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَحْيَانًا.
ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ رَجُلٌ مَعَ قَوْمٍ يُصَلُّونَهَا، فَإِنْ كَانَ مُطَاعًا إِذَا تَرَكَهَا وَبَيَّنَ لَهُمُ السُّنَّةَ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، بَلْ عَرَفُوا السُّنَّةَ، فَتَرْكُهَا حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَاعًا وَرَأَى فِي صَلَاتِهَا تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ إِلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ، أَوْ دَفْعًا لِلْخِصَامِ وَالشَّرِّ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ لَهُمْ وَقَوْلِهِمْ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا أَيْضًا حَسَنٌ.
فَالْعَمَلُ الْوَاحِدُ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِعْلُهُ تَارَةً، وَتَرْكُهُ تَارَةً، بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَجَّحُ مِنْ مَصْلَحَةِ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ بِحَسَبِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءَ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى آخِرِهِ. اهـ مُلَخَّصًا.
فَأَنْتَ تَرَاهُ قَدْ بَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ وُجُودِ مَكَانٍ لَهَا فِي عَهْدِهِ، وَلَا فِي عَهْدِ صَاحِبَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ فِعْلَهَا بَعْدَ حَدِيثِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْجِعُ إِلَى حَالِ الشَّخْصِ، فَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا الْتُمِسَ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ حَدِيثِ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ»، لَا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ.
أَمَّا الْعَالِمُ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ مُطَاعًا فَتَرْكُهَا أَحْسَنُ.
وَتَعْلِيمُ النَّاسِ مُتَعَيَّنٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَاعٍ وَيَرْجُو نَفْعَهُمْ أَوْ يَخْشَى خُصُومَةً عَلَيْهِمْ تَضِيعُ عَلَيْهِمْ مَنْفَعَتُهُمْ مِنْهُ، فَفَعَلَهَا تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، فَهَذَا حَسَنٌ. اهـ مُلَخَّصًا.
وَهَذَا مِنْهُ مِنْ أَدَقِّ مَسَالِكِ سِيَاسَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، حَيْثُ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يُرَاعِيَ حَالَةَ الْعَامَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ بِفِعْلِهِ مُؤَثِّرًا كَتَأْثِيرِهِ بِقَوْلِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْأَحْوَالِ مَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُمْ فِيمَا فِيهِ سَعَةٌ مِنَ الْأَمْرِ، كَمَا بَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ.
وَقَدْ سَاقَ ضِمْنًا كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا، أَيْ عِنْدَ الْمَجِئِ وَقَبْلَ الْأَذَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا عَدَا الدَّاخِلَ لِلْمَسْجِدِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ مُنَاقَشَةِ كَلَامِ الْمَذْهَبِ، قَالَ:
وَأَمَّا السُّنَّةُ قَبْلَهَا فَالْعُمْدَةُ فِيهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَذْكُورِ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ»، وَالْقِيَاسُ عَلَى الظُّهْرِ، قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَهَذَا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهَا


الصفحة التالية
Icon