نَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى بَعْضِهَا وَمُخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِهَا فَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ بطلان شهادة الشاهد لولده إلَّا شَيْءٌ يُحْكَى عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ وَشَهَادَةُ الْأَبِ لَابْنِهِ ولامرأته إذَا كَانُوا عُدُولًا مُهَذَّبِينَ مَعْرُوفِينَ بِالْفَضْلِ وَلَا يستوي الناس في ذلك ففرق بينهما لَوَالِدِهِ وَبَيْنَهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَأَمَّا أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سيما قال حدثنا عبد الله بن أحمد بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَلَا الْأَبِ لَابْنِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ولا الزوج لامرأته وروى عن إياس ابن مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ لَابْنِهِ حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن سيما قال حدثنا عبد اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ الْحَذَّاءُ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ شَهَادَتِهِ لابنه قوله عز وجل لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ بُيُوتَ الْأَبْنَاءِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى مِنْ بُيُوتِكُمْ قَدْ انْتَظَمَهَا إذْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى الْآبَاءِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ بُيُوتِهِمْ عَنْ ذِكْرِ بُيُوتِ أَبْنَائِهِمْ
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك
فَأَضَافَ الْمِلْكَ إلَيْهِ
وَقَالَ إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ فَلَمَّا أَضَافَ مِلْكَ الِابْنِ إلَى الْأَبِ
وَأَبَاحَ أَكْلَهُ لَهُ وَسَمَّاهُ لَهُ كَسْبًا كَانَ الْمُثْبِتُ لِابْنِهِ حَقًّا بِشَهَادَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مُثْبِتِهِ لِنَفْسِهِ وَمَعْلُومٌ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لِابْنِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الِابْنِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا فَوَاجِبٌ قَبُولُ شهادته لهؤلاء كما نقبلها لِأَجْنَبِيٍّ وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ لِهَؤُلَاءِ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُهَا لِلْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مُتَّهَمًا فِي الشَّهَادَةِ لِابْنِهِ بِمَا ليس بحق له فجائزة عَلَيْهِ مِثْلُ هَذِهِ التُّهْمَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ قِيلَ لَهُ لَيْسَتْ التُّهْمَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لِابْنِهِ وَلِأَبِيهِ تُهْمَةُ فِسْقٍ وَلَا كَذِبٍ وَإِنَّمَا التُّهْمَةُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَصِيرُ فِيهَا بِمَعْنَى الْمُدَّعِي لِنَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَانَتُهُ وَصَحَّتْ عَدَالَتُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُصَدَّقًا فِيمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ لَا عَلَى جِهَةِ تَكْذِيبِهِ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلَّ مُدَّعٍ لِنَفْسِهِ فَدَعْوَاهُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِهَا فَالشَّاهِدُ لِابْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَّعِي لِنَفْسِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَلِكَ قَالَ أصحابنا إن كل شاهد يجر بشهادته «١٦- أحكام في»