مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِتَرْكِ الْفَرْضِ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الفصل فَلَمَّا كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْنَا بَطَلَ اعْتِلَالُهُ بِذَلِكَ وَصَحَّ أَنَّ فِعْلَ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزٌ بَعْدَهُ كَمَا جَازَ مَعَهُ وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ جَوَازَ فِعْلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو مُوسَى وَحُذَيْفَةُ وَسَعِيدُ ابن الْعَاصِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ فِي آخَرِينَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُحْكَى عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَمِثْلُهُ يَكُونُ إجْمَاعًا لَا يَسَعُ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ يَقُولَانِ يَقُومُ الْإِمَامُ قَائِمًا حَتَّى يُتِمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقْضُونَ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ ثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى تُتِمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لِأَنْفُسِهِمْ وَإِنْ شَاءَ كَانَ قَائِمًا وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَقُومُ صَفٌّ خَلْفَهُ وَصَفٌّ مُوَازِي الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى مَقَامِ أُولَئِكَ وَيَجِيءُ هَؤُلَاءِ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَيَجْلِسُونَ فَإِذَا قَامَ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُمْ قِرَاءَةٌ وَجَلَسُوا ثُمَّ قَامُوا يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ فَإِذَا جَلَسُوا وَسَلَّمَ الْإِمَامُ ذَهَبُوا إلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ عَلَيْهِ التَّعْدِيلَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَيُصَلِّي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَكْعَةً وَقَدْ تُرِكَ هَذَا الْمَعْنَى حِينَ جعل للطائفة الأولى أن يصلى مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ إنَّمَا صَلَّتْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مَعَهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إنَّهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فلم يقسم الصلاة بينهم على أن يصلى كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مَعَهُ رَكْعَةً عَلَى حِيَالِهَا وَمَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ الْإِمَامَ أَنْ يَقُومَ قَائِمًا حَتَّى تَفْرُغَ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْأُصُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أعلم بالصواب.