قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الذِّكْرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ يُرْوَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَأَى النَّاسَ يَصِيحُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا هَذَا النُّكْرُ قَالُوا أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ فَقَالَ إنَّمَا يَعْنِي بِهَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ قَائِمًا فَقَاعِدًا وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَصَلِّ عَلَى جَنْبِك وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ فَهَذَا الذِّكْرُ الْمُرَادُ بِهِ نَفْسُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا أَيْضًا أَذْكَارٌ مَسْنُونَةٌ وَمَفْرُوضَةٌ وَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَلَيْسَ هُوَ الصَّلَاةُ وَلَكِنَّهُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْفِكْرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَفِيمَا فِي خَلْقِهِ وَصُنْعِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِ وَعَلَى حُكْمِهِ وَجَمِيلِ صُنْعِهِ وَالذِّكْرُ الثَّانِي الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ بِالتَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ يُعْذَرْ أَحَدٌ فِي تَرْكِ الذِّكْرِ إلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ وَالذِّكْرُ الْأَوَّلُ أَشْرَفُهُمَا وَأَعْلَاهُمَا مَنْزِلَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الذِّكْرِ الصَّلَاةَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ وقَوْله تَعَالَى فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ فَإِذَا رَجَعْتُمْ إلَى الْوَطَنِ فِي دَارِ الْإِقَامَةِ فَأَتِمُّوا الصَّلَاةَ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُتِمُّوا رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا غَيْرَ مُشَاةٍ وَلَا رُكْبَانٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَنْ تَأَوَّلَ الْقَصْرَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ عَلَى إتْمَامِ الرَّكَعَاتِ عِنْدَ زَوَالِ الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ وَمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِيمَاءِ أَوْ عَلَى إبَاحَةِ الْمَشْيِ فِيهَا جَعَلَ قوله تعالى فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أَمْرًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَفْعُولَةِ قَبْلَ الْخَوْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطِيَّةَ مَفْرُوضًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ مَوْقُوتًا مُنَجَّمًا كُلَّمَا مَضَى نَجْمٌ جَاءَ نَجْمٌ آخَرُ وَعَنْ