عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ. وَعَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ حَمَلَ الْمُفَسِّرُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الصَّوْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَالضَّحَّاكُ: كَانَ الصِّيَامُ عَلَى الْمُقِيمِينَ الْقَادِرِينَ مُخَيَّرًا فِيهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: ثَمَّ مَحْذُوفٌ مَعْطُوفٌ تَقْدِيرُهُ:
يُطِيقُونَهُ، أَوِ الصَّوْمَ، لِكَوْنِهِمْ كَانُوا شَبَابًا ثُمَّ عَجَزُوا عَنْهُ بِالشَّيْخُوخَةِ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالسُّدِّيُّ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصَّوْمَ، وَهُوَ بِصِفَةِ الْمَرَضِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الصَّوْمَ، فَخُيِّرَ هَذَا بَيْنَ أَنْ يَصُومَ وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَلْيَصُمْهُ فَزَالَتِ الرُّخْصَةُ إِلَّا لِمَنْ عَجَزَ مِنْهُمْ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَكُونَ: لَا، مَحْذُوفَةً، فَيَكُونَ الْفِعْلُ مَنْفِيًّا، وَقَدَّرَهُ: وَعَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ، قَالَ: حَذَفَ: لَا، وَهِيَ مُرَادَةٌ. قَالَ ابْنُ أَحْمَدَ.

آلَيْتُ أَمْدَحُ مُقْرِفًا أَبَدًا يَبْقَى الْمَدِيحُ وَيَذْهَبُ الرَّفْدُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
فَخَالِفْ، فَلَا وَاللَّهِ تَهْبِطُ تَلْعَةً مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا أَنْتَ لِلذُّلِّ عَارِفُ
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي
وَتَقْدِيرُ: لَا، خَطَأٌ لِأَنَّهُ مَكَانُ إِلْبَاسٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَيْهِ الْفَهْمُ، هُوَ: أَنَّ الْفِعْلَ مُثْبَتٌ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ: لَا، وَإِرَادَتُهَا إِلَّا فِي الْقَسَمِ، وَالْأَبْيَاتُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا هِيَ مِنْ بَابِ الْقَسَمِ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي النَّحْوِ.
وَقِيلَ: الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ الْمُرَادُ: الشَّيْخُ الْهَرِمُ، وَالْعَجُوزُ، أَيْ: يُطِيقُونَهُ بِتَكَلُّفٍ شَدِيدٍ، فَأَبَاحَ اللَّهُ لَهُمُ الْفِطْرَ وَالْفِدْيَةَ، وَالْآيَةُ عَلَى هَذَا مُحْكَمَةٌ،
وَيُؤَيِّدُهُ تَوْجِيهُ مَنْ وَجَّهَ:
يُطَوَّقُونَهُ، عَلَى مَعْنَى: يَتَكَلَّفُونَ صَوْمَهُ وَيَتَجَشَّمُونَهُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ
، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْعَجُوزِ الْهَرِمَةِ وَزَيْدٌ
عَنْ عَلِيٍّ: وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ
، وَالْآيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إِنَّمَا هِيَ فِي مَنْ يُدْرِكُهُ رَمَضَانُ وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ الْمُتَقَدِّمِ، فَقَدْ كَانَ يُطِيقُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الصَّوْمَ، فَتَرَكَهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.


الصفحة التالية
Icon