الْمَلْقِيُ؟ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِجَعْلِ ضَمِيرِ النَّكِرَةِ مَكَانَ ذَلِكَ هَذَا الثَّانِي، فَيَصِحُّ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى فَعَصَاهُ فِرْعَوْنُ، أَوْ: لَقِيتُ رَجُلًا فَضَرَبْتُهُ لَكَانَ كَلَامًا صَحِيحًا، وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ هُنَا، لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُوَ وَالْمُعْرِبُونَ: أَنَّ هُدًى مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَصْفٌ فِي ذِي الْحَالِ، وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَبَيِّنَاتٍ، فَلَا يَخْلُو قَوْلُهُ: مِنَ الْهُدَى، الْمُرَادُ بِهِ الْهُدَى الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَوْلِهِ: هُدًى، أَوْ لِقَوْلِهِ: وَبَيِّنَاتٍ، أَوْ لَهُمَا، أو متعلق بِلَفْظِ بَيِّنَاتٍ، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِهُدًى، لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَصْفٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضًا، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ إِيَّاهُ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ بَعْضًا. كُلًّا بِالنِّسْبَةِ لِمَاهِيَّتِهِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِبَيِّنَاتٍ فَقَطْ، لِأَنَّ وَبَيِّنَاتٍ مَعْطُوفٌ عَلَى هُدًى، وَهُدًى حَالٌ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْحَالِ حَالٌ، وَالْحَالُ وَصْفٌ فِي ذِي الْحَالِ، فَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمَا حَالَيْنِ تَخَصَّصَ بِهِمَا ذُو الْحَالِ إِذْ هُمَا وَصْفَانِ، وَمِنْ حَيْثُ وُصِفَتْ بَيِّنَاتٍ بِقَوْلِهِ: مِنَ الْهُدَى، خَصَّصَهَا بِهِ، فَوُقِفَ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلِهِ هُدًى وَبَيِّنَاتٍ مَعًا، وَمِنْ حَيْثُ جُعِلَتْ مِنَ الْهُدَى صِفَةً لِبَيِّنَاتٍ تَوَقَّفَ تَخْصِيصُ بَيِّنَاتٍ عَلَى هُدًى، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِلَفْظِ: وَبَيِّنَاتٍ، لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ تَقْيِيدٌ لِلْمُتَعَلَّقِ بِهِ، فَهُوَ كَالْوَصْفِ، فَيَمْتَنِعُ مِنْ حَيْثُ يَمْتَنِعُ الْوَصْفُ.
وَأَيْضًا فَلَوْ جَعَلْتَ هُنَا مَكَانَ الْهُدَى ضَمِيرًا، فَقُلْتَ: وَبَيِّنَاتٍ مِنْهُ أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْهُدَى، لَمْ يَصِحَّ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا أَنْ يَكُونَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانُ عَامَّيْنِ حَتَّى يَكُونَ هُدًى وَبَيِّنَاتٌ بَعْضًا مِنْهُمَا..
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الشَّهْرِ لِلْعَهْدِ، وَيَعْنِي بِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَلِذَلِكَ يَنُوبُ عَنْهُ الضَّمِيرُ، وَلَوْ جَاءَ: فمن شهد مِنْكُمْ فَلْيَصُمْهُ لَكَانَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا أَبْرَزَهُ ظَاهِرًا لِلتَّنْوِيهِ بِهِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ، وَحَسَّنَ لَهُ أَيْضًا كَوْنُهُ مِنْ جُمْلَةٍ ثَانِيَةٍ.
وَمَعْنَى شُهُودِ الشَّهْرِ الْحُضُورُ فِيهِ. فَانْتِصَابُ الشَّهْرِ عَلَى الظَّرْفِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُقِيمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا كَانَ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، إِذِ الْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلْيَصُمْهُ، وَقَالُوا عَلَى انْتِصَابِ الشَّهْرِ: أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: فَمَنْ شَهِدَ، حُذِفَ مَفْعُولُهُ تَقْدِيرُهُ الْمِصْرَ أَوِ الْبَلَدَ.
وَقِيلَ: انْتِصَابُ الشَّهْرِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ دُخُولَ الشَّهْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الصَّوْمُ، وَقَالُوا: يُتِمُّ الصَّوْمَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ