التَّقْدِيرُ: كَمَا هَدَاكُمْ، أَيِ: اذْكُرُوهُ وَعَظِّمُوهُ لِلْهِدَايَةِ السَّابِقَةِ مِنْهُ تَعَالَى لَكُمْ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: كَمَا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ، أَيْ: لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ، وَأَثْبَتَ لَهَا هَذَا الْمَعْنَى الأخفش، وابن برهان. وَمَا، فِي: كَمَا، مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: كَهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ، وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ تَكُونَ: مَا، كَافَّةً لِلْكَافِ عَنِ الْعَمَلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ: مَا، الْمَصْدَرِيَّةُ تَكُونُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ، إِذْ يَنْسَبِكُ مِنْهَا مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرٌ، والكافة لَا يَكُونُ ذَلِكَ فِيهَا إِذْ لَا عَمَلَ لَهَا الْبَتَّةَ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهَا عَلَى أَنَّ: مَا، مَصْدَرِيَّةٌ لِإِقْرَارِ الْكَافِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ لَهَا مِنْ عَمَلِ الْجَرِّ، وَقَدْ مَنَعَ أَنْ تَكُونَ الكاف مكفوفة بما عَنِ الْعَمَلِ أَبُو سَعْدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الفرّ حال صَاحِبُ (الْمُسْتَوْفِي) وَاحْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرُكَ إِنَّنِي وَأَبَا حُمَيْدٍ | كَمَا النَّشْوَانُ وَالرَّجُلُ الْحَلِيمُ |
أُرِيدُ هِجَاءَهُ وَأَخَافُ رَبِّي | وَأَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ لَئِيمٌ |
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ إِنْ هُنَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ هِيَ الَّتِي لِلتَّوْكِيدِ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَدَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ النَّاسِخِ كَمَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ الِابْتِدَائِيَّةِ. وَاللَّامُ فِي:
لَمِنَ، وَمَا أَشْبَهَهُ فِيهَا خِلَافٌ: أَهِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ لَزِمَتْ لِلْفَرْقِ؟ أَمْ هِيَ لَامٌ أُخْرَى اجْتُلِبَتْ لِلْفَرْقِ؟ وَمَذْهَبُ الفراء: في إن نحو هذا هِيَ النَّافِيَةُ بِمَعْنَى مَا، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا، وَذَهَبَ الكسائي إلى إِنْ: بِمَعْنَى: قَدْ، إِذَا دَخَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ، وَتَكُونُ اللَّامُ زَائِدَةً، وَبِمَعْنَى: مَا، النَّافِيَةِ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَاللَّامُ بمعنى إلّا، ودلال هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُذْكَرُ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.
فَعَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ: تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُثْبَتَةً مُؤَكَّدَةً لَا حَصْرَ فِيهَا، وَعَلَى مَذْهَبِ الْفَرَّاءِ: مُثْبَتَةً إِثْبَاتًا مَحْصُورًا، وَعَلَى مَذْهَبِ الْكِسَائِيِّ: مُثَبَّتَةً مُؤَكَّدَةً مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ جِهَةِ قول البصريين.
ومن قَبْلِهِ، يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وَيُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ: لَمِنَ الضَّالِّينَ، التَّقْدِيرُ: وَإِنْ كُنْتُمْ ضَالِّينَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ، وَمَنْ تَسْمَحُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ فِي تَقْدِيمِ الظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْعَامِلِ