وَاسْمُ الْهِجْرَةِ وَفَضْلُهَا الْخَاصُّ قَدِ انْقَطَعَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ فِي هَاجَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْإِخْرَاجَ مِنَ الدِّيَارِ وَهُوَ: أَنَّهُمْ أُلْجِئُوا وَاضْطُرُّوا إِلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ إِلْزَامُ الذَّنْبِ لِلْكُفَّارِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّمَا أَخْرَجَهُمْ سُوءُ عِشْرَةِ الْكُفَّارِ وَقَبِيحُ أَفْعَالِهِمْ مَعَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ «١» وَإِذَا كَانَ الْخُرُوجُ بِرَأْيِ الْإِنْسَانِ وَقُوَّةٍ مِنْهُ عَلَى الْأَعْدَاءِ جَاءَ الْكَلَامُ بِنِسْبَةِ الْخُرُوجِ إِلَيْهِ، فَقِيلَ: خَرَجَ فُلَانٌ، قَالَ مَعْنَاهُ: ابْنُ عَطِيَّةَ. قَالَ: فَمِنْ ذَلِكَ إِنْكَارُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ أَنْشَدَهُ.
وَرَدَّنِي إِلَى اللَّهِ مَنْ طَرَدْتُهُ كُلَّ مَطْرَدِ
فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ طَرَّدْتَنِي كُلَّ مَطْرَدٍ»
إِنْكَارًا عَلَيْهِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ | بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا |
زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ | عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ |
الْإِخْبَارُ عَنْ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا بِالْخَبَرِ الَّذِي بَعْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ من عطف الصلاة. وَالْمَعْنَى: اخْتِلَافُ الْمَوْصُولِ لَا اتِّحَادُهُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا، وَالَّذِينَ أُخْرِجُوا، وَالَّذِينَ أُوذُوا، وَالَّذِينَ قَاتَلُوا، وَالَّذِينَ قُتِلُوا، وَيَكُونُ الْخَبَرُ عَنْ كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ السَّبْعَةِ: وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَقُتِلُوا وَقَاتَلُوا يَبْدَآنِ بِالْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ،