فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ «١» وَهَذَا فِي النَّهْيِ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْأَمْرِ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «٢» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا «٣» وَقَدْ جُعِلَ النَّهْيُ فِي الظَّاهِرِ لِلتَّقَلُّبِ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى لِلْمُخَاطَبِ. وَهَذَا مِنْ تَنْزِيلِ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ الْمُسَبَّبِ، لِأَنَّ التَّقَلُّبَ لَوْ غَرَّهُ لَاغْتَرَّ بِهِ، فَمَنَعَ السَّبَبَ لِيَمْتَنِعَ الْمُسَبَّبَ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمُلَخَّصُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ، أوله عَلَى جِهَةِ التَّأْكِيدِ وَالتَّنْبِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْصُومًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ كَمَا قِيلَ:
قَدْ يُهَزُّ الْحُسَامُ وَهْوَ حُسَامٌ | وَيُجَبُّ الْجَوَادُ وَهْوَ جَوَادُ |
مَتاعٌ قَلِيلٌ أَيْ ذَلِكَ التَّقَلُّبُ وَالتَّبَسُّطِ شَيْءٌ قَلِيلٌ مُتِّعُوا بِهِ، ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. وَقِلَّتُهُ بِاعْتِبَارِ انْقِضَائِهِ وَزَوَالِهِ،
وَرُوِيَ: «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ» أخرجه التِّرْمِذِيُّ.
وَرُوِيَ: «مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»
أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا فَاتَهُمْ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الثَّوَابِ.
ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ثُمَّ الْمَكَانُ الَّذِي يَأْوُونَ إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ جَهَنَّمُ، وَعَبَّرَ بِالْمَأْوَى إِشْعَارًا بِانْتِقَالِهِمْ عَنِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي تَقَلَّبُوا فِيهَا وَكَأَنَّ الْبِلَادَ الَّتِي تَقَلَّبُوا فِيهَا إِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ أَمَاكِنَ انْتِقَالٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، لَا قَرَارَ لَهُمْ وَلَا خُلُودَ. ثُمَّ الْمَأْوَى الَّذِي يَأْوُونَ إِلَيْهِ وَيَسْتَقِرُّونَ فِيهِ هُوَ جَهَنَّمُ.
وَبِئْسَ الْمِهادُ أَيْ وَبِئْسَ الْمِهَادُ جَهَنَّمُ. وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي | إِلَى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ |
(١) سورة القلم: ٦٨/ ٨.
(٢) سورة الفاتحة: ١/ ٥.
(٣) سورة النساء: ٤/ ١٣٦.
(٢) سورة الفاتحة: ١/ ٥.
(٣) سورة النساء: ٤/ ١٣٦.