وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوبَ لَعَلَّنَا | نَكُفُّ وَوَثِقْتُمْ لَنَا كُلَّ مُوَثَّقِ |
فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمْ | كَشِبْهِ «١» سَرَابٍ فِي الْمَلَا مُتَأَلِّقِ |
وَقِيلَ إِنَّهَا بِمَعْنَى التَّعَرُّضِ لِلشَّيْءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: مُتَعَرِّضِينَ لِلتَّقْوَى. وَجَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى صَيَّرَ لِتَعَدِّيهِ إِلَى الْمَفْعُولَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَقَدْ جَعَلْتُ أَرَى الْإِثْنَيْنِ أَرْبَعَةً | والواحد اثنين لمّا هدّني الكبر |
كَيْفَ وَصَفَهَمْ بِالْعِلْمِ وَقَدْ نَعَتَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ. وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ.
وَما كانُوا مُهْتَدِينَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ. فَيُقَالُ: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ جَهْلَهُمْ وَعَدَمَ شُعُورِهِمْ لَا يَتَنَاوَلُ هَذَا: أَيْ كَوْنُهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْمُنْعِمُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْدَادِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ هَذَا وَلَا يُنْكِرُونَهُ كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ. وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَحْدَانِيَّتَهُ بِالْقُوَّةِ وَالْإِمْكَانِ لَوْ تَدَبَّرْتُمْ وَنَظَرْتُمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْحُجَجِ وَتَرْكِ التَّقْلِيدِ. قَالَ ابْنُ فُورَكٍ: الْمُرَادُ وَتَجْعَلُونَ لِلَّهِ أَنْدَادًا بَعْدَ عِلْمِكُمُ الَّذِي هُوَ نَفْيُ الْجَهْلِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ انْتَهَى. وَحَذَفَ مَفْعُولَ تَعْلَمُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّوْحِيدِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا كَانَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَهُوَ أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَهُوَ أُنْزِلَ بِمَكَّةَ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ، وَرَوَى نَحْوَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ قَوْلِ عَلْقَمَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ.
وَكَذَا أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُرْوَةَ وَعِكْرِمَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَالَ: هِيَ لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: لَعَلَّكُمْ يعني كي. وأخرج ابن أبي
(١). في القرطبي: كلمع.
(٢). الأنبياء: ٣٢.
(٢). الأنبياء: ٣٢.