وقوله: يُقِيمُونَ معناه يظهرونها ويثبتونها، كما يقال: أقيمت السوق، وهذا تشبيه بالقيام من حالة خفاء، قعود أو غيره، ومنه قول الشاعر: [الكامل].
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا | حتى تقيم الخيل سوق طعان |
أقمنا لأهل العراقين سوق الطّ | طعان فخاموا وولّوا جميعا |
عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي | يوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا |
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها | وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما |
قال القاضي أبو محمد: والقول إنها من الدعاء أحسن.
وقوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ كتبت «مما» متصلة «وما» بمعنى «الذي» فحقّها أن تكون منفصلة، إلا أن الجار والمجرور كشيء واحد، وأيضا فلما خفيت نون «من» في اللفظ حذفت في الخط.
والرزق عند أهل السنة. ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق. ويُنْفِقُونَ معناه هنا يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه من غير ذلك.
قال ابن عباس: يُنْفِقُونَ يؤتون الزكاة احتسابا لها».
قال غيره: «الآية في النفقة في الجهاد».
قال الضحاك: «هي نفقة كانوا يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر يسرهم».
قال ابن مسعود وابن عباس أيضا: «هي نفقة الرجل على أهله».
قال القاضي أبو محمد: والآية تعمّ الجميع. وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤ الى ٥]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
اختلف المتأولون فيمن المراد بهذه الآية وبالتي قبلها.