الاثنين، وقال الربيع بن أنس نزلت سورة المائدة في مسير رسول الله ﷺ إلى حجة الوداع، وهذا كله يقتضي أن السورة مدنية بعد الهجرة وإتمام النعمة هو في ظهور الإسلام ونور العقائد وإكمال الدين وسعة الأحوال وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة والخلود في رحمة الله هذه كلها نعم الله المتممة قبلنا، وقوله تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً يحتمل الرضا في هذا الموضع أن يكون بمعنى الإرادة ويحتمل أن يكون صفة فعل عبارة عن إظهار الله إياه لأن الرضى من الصفات المترددة بين صفات الذات وصفات الأفعال والله تعالى قد أراد لنا الإسلام ورضيه لنا وثم أشياء يريد الله تعالى وقوعها ولا يرضاها، والإسلام في هذه الآية هو الذي في قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] وهو الذي تفسر في سؤال جبريل النبي ﷺ وهو الإيمان والأعمال والشعب.
وقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ يعني من دعته ضرورة إلى أكل الميتة وسائر تلك المحرمات، وسئل رسول الله ﷺ متى تحل الميتة؟ فقال إذا لم يصطبحوا ولم يغتبقوا ولم تحتفئوا بها بقلا.
قال القاضي أبو محمد: فهذا مثال في حال عدم المأكول حتى يؤدي ذلك إلى ذهاب القوى والحياة وقرأ ابن محيصن «فمن اطر» بإدغام الضاد في الطاء وليس بالقياس ولكن العرب استعملته في ألفاظ قليلة استعمالا كثيرا وقد تقدم القول في أحكام الاضطرار في نظير هذه الآية في سورة البقرة، و «المخمصة» المجاعة التي تخمص فيها البطون أي تضمر والخمص ضمور البطن فالخلقة منه حسنة في النساء ومنه يقال خمصانة وبطن خميص ومنه أخمص القدم، ويستعمل ذلك كثيرا في الجوع والغرث، ومنه قول الأعشى:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم | وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا |
وسبب نزول قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ أن جبريل جاء إلى رسول الله ﷺ فوجد في البيت كلبا فلم يدخل فقال له النبي ﷺ ادخل فقال أنا لا أدخل بيتا فيه كلب فأمر رسول الله ﷺ بقتل الكلاب فقتلت حتى بلغت العوالي فجاء عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا يا رسول الله، ماذا يحل لنا من هذه الكلاب؟