قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يعطيه اللفظ، وإنما البروج في القرآن إذا وردت مقترنة بذكر السماء بروج المنازل للقمر وغيره على ما سمتها العرب وعرفتها، وبرج معناه ظهر، ومنه البروج أي المطولة الظاهرة، ومنه تبرج المرأة، ومُشَيَّدَةٍ قال الزجّاج وغيره: معناه مرفوعة مطولة، لأن شاد الرجل البناء إذا صنعه بالشيد وهو الجص إذا رفعه، وقالت طائفة: مُشَيَّدَةٍ معناه: محسنة بالشيد، وذلك عندهم أن «شاد الرجل» معناه: جصص بالشيد، وشيد معناه: كرر ذلك الفعل فهي للمبالغة، كما تقول: كسرت العود مرة، وكسرته في مواضع منه كثيرة مرارا، وخرقت الثوب وخرقته، إذا كان الخرق منه في مواضع كثيرة، فعلى هذا يصح أن تقول: شاد الرجل الجدار مرة وشيد الرجل الجدار إذا أردت المبالغة، لأن التشييد منه وقع في مواضع كثيرة، ومن هذا المعنى قول الشاعر [عدي بن زياد العبادي] :[الخفيف]
شاده مرمرا وجلّله كل | سا فللطير في ذراه وكور |
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله شيء واحد، ثم وبخهم بالاستفهام عن علة جهلهم، وقلة فهمهم وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق، والفقه في اللغة الفهم، وأوقفته الشريعة على الفهم في الدين وأموره، وغلب عليه بعد الاستعمال في علم المسائل الأحكامية، والبلاغة في الاستفهام عن قلة فقههم بينة، لأنك إذا استفهمت عن علة أمر ما، فقد تضمن كلامك إيجاب ذلك الأمر تضمنا لطيفا بليغا، ووقف أبو عمرو والكسائي على قوله فَما ووقف الباقون على اللام في قوله: فَما لِ، اتباعا للخط، ومنعه قوم جملة، لأنه حرف جر فهي بعض المجرور، وهذا كله بحسب ضرورة وانقطاع نفس، وأما أن يختار أحد الوقف فيما ذكرناه ابتداء فلا.
قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٩ الى ٨١]
ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١)