«قولوا: اللهم استر عوراتنا وأمن روعاتنا»، فقالها المسلمون في تلك الضيقات. ثم أثنى الله على رجال من المؤمنين عاهدوا الله تعالى على الاستقامة التامة فوفوا وقضوا نحبهم، أي نذرهم وعهدهم، و «النحب» في كلام العرب النذر، والشيء الذي يلتزمه الإنسان، ويعتقد الوفاء به، ومنه قول الشاعر: «قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر»، المعنى أنه التزم الصبر إلى موت أو فتح فمات ومن ذلك قول جرير: [الطويل]
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا | عشية بسطام جرين على نحب |
قال القاضي أبو محمد: فهذا أدل دليل على أن النحب ليس من شروطه الموت، وقال معاوية بن أبي سفيان: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «طلحة ممن قضى نحبه»، وروت هذا المعنى عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ يريد ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح وهو بسبيل ذلك وَما بَدَّلُوا وما غيروا، ثم أكد بالمصدر، وقرأ ابن عباس على منبر البصرة «ومنهم من بدل تبديلا»، رواه عنه أبو نصرة، وروى عنه عمرو بن دينار «ومنهم من ينتظر وآخرون بدلوا تبديلا»، واللام في قوله تعالى: لِيَجْزِيَ لام الصيرورة والعاقبة، ويحتمل أن تكون لام كي، وتعذيب المنافقين ثمرة إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم والتوبة موازية لتلك الإدامة وثمرة التوبة تركهم دون عذاب فهما درجتان: إقامة على نفاق، أو توبة منه، وعنهما ثمرتان تعذيب، أو رحمة، فذكر تعالى على جهة الإيجاز واحدة من هاتين، وواحدة من هاتين، ودل ما ذكر على ما ترك ذكره ويدلك على أن معنى قوله «ليعذب» ليديم على النفاق قوله إِنْ شاءَ ومعادلته بالتوبة وبحرف أَوْ ولا يجوز أحد أن إِنْ شاءَ يصح في تعذيب منافق على نفاقه بل قد حتم الله على نفسه بتعذيبه.