قال القاضي أبو محمد: وذلك كله محتمل لأن «الشيعة» معناها الصنف الشائع الذي يشبه بعضه بعضا والشيع الفرق وإن كان الأعرف أن المتأخر في الزمن هو شيعة للمتقدم ولكن قد يجيء من الكلام عكس ذلك قال الشاعر [الكميت] :
وما لي إلا آل أحمد شيعة | وما لي إلا مشعب الحق مشعب |
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا التأويل في أنها كذبة يجيء الحديث لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله إِنِّي سَقِيمٌ، وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: ٦٣] وقوله في سارة هي أختي، وقالت فرقة: ليست بكذبة ولا يجوز الكذب عليه ولكنها من المعاريض أخبرهم بأنه سقيم في المثال وعلى عرف ابن آدم لا بد أن يسقم ضرورة، وقيل أراد على هذا إِنِّي سَقِيمٌ النفس أي من أموركم وكفركم فظهر لهم من كلامه أنه أراد سقما بالجسد حاضرا وهكذا هي المعاريض.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل لا يرده الحديث وذكر الكذبات لأنه قد يقال لها كذب على الاتساع بحسب اعتقاد المخبر، والكذب الذي هو قصد قول الباطل، والإخبار بضد ما في النفس بغير منفعة شرعية، هو الذي لا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم.
قوله عز وجل:
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩١ الى ٩٨]
فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)