هذا ويقولون ظن بمعنى: أيقن، ولسنا نجد في كلام العرب على العلم الذي ليس على الحواس شاهدا يتضمن أن يقال: رأى زيد كذا وكذا فظنه. وانظر إلى قوله تبارك وتعالى في كتابه: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها [الكهف: ٥٣] وإلى قول دريد بن الصمة: [الطويل]
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج | سراتهم بالفارسي المسرد |
وقوله: وَخَرَّ أي ألقى بنفسه نحو الأرض متضامنا متواضعا، والركوع والسجود: الانخفاض والترامي نحو الأرض، وخصصتها الشرائع على هيئات معلومة. وقال قوم يقال: «خر»، لمن ركع وإن كان لم ينته إلى الأرض. وقال الحسن بن الفضل، المعنى: خر من ركوعه، أي سجد بعد أن كان راكعا. وقال أبو سعيد الخدري: رأيتني في النوم وأنا أكتب سورة: «ص» فلما بلغت هذه الآية سجد القلم، ورأيتني في منام آخر وشجرة تقرأ: «ص» فلما بلغت هذا سجدت، وقالت: اللهم اكتب لي بها أجرا، وحط عني بها وزرا، وارزقني بها شكرا، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وسجدت أنت يا أبا سعيد؟ قلت لا، قال: أنت كنت أحق بالسجدة من الشجرة، ثم تلا رسول الله ﷺ الآيات حتى بلغ: وَأَنابَ، فسجد، وقال كما قالت الشجرة. وَأَنابَ معناه: رجع وتاب، ويروى عن مجاهد أن داود عليه السلام بقي في ركعته تلك لاصقا بالأرض يبكي ويدعو أربعين صباحا حتى نبت العشب من دمعه، وروي غير هذا مما لا تثبت صحته. وروي أنه لما غفر الله له أمر المرأة، قال:
يا رب فكيف لي بدم زوجها إذا جاء يطلبني يوم القيامة، فأوحى الله إليه أني سأستوهبه ذلك يا داود، وأجعله أن يهبه راضيا بذلك، فحينئذ سر داود عليه السلام واستقرت نفسه، وروي عن عطاء الخراساني ومجاهد أن داود عليه السلام نقش خطيئته في كفه فكان يراها دائما ويعرضها على الناس في كل حين من خطبه وكلامه وإشاراته وتصرفه تواضعا لله عز وجل وإقرارا، وكان يسيح في الأرض ويصيح: إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي، سبحانك، إلهي أتيت أطباء الدين يداووا علتي، فكلهم عليك دلني. وكان يدخل في صدر خطبته الاستغفار للخاطئين، وما رفع رأسه إلى السماء بعد خطيئته حياء ﷺ وعلى جميع الأنبياء المرسلين.
قوله عز وجل:
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)