قوله عز وجل:
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٢٩ الى ٣٦]
فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦)
هذا أمر لرسول الله ﷺ بالدعاء إلى الله ومتابعة نشر الرسالة، ثم قال مؤنسا له:
فَما أَنْتَ بإنعام الله عليك أو لطفه بك بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ. وكانت العرب قد عهدت ملابسة الجن والإنس بهذين الوجهين، فنسبت محمدا ﷺ إلى ذلك فنفى الله تعالى عنه ذلك.
وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ الآية، روي أن قريشا اجتمعت في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد ﷺ حتى قال قائل منهم: تربصوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى وغيرهم، فافترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية في ذلك، والتربص: الانتظار ومنه قول الشاعر: [الطويل]
تربص بها ريب المنون لعلها | تطلق يوما أو يموت حليلها |
قال القاضي أبو محمد: والريب هنا: الحوادث والمصائب، لأنها تريب من نزلت به ومنه قول النبي ﷺ في أمر ابنته فاطمة حين ذكر أن عليا يتزوج بنت أبي جهل: «إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها». يقال أراب وراب، ومنه: [الطويل] فقد رابني منها الغداة سفورها وقول الآخر: [المتقارب] وقد رابني قولها يا هناه وأمر الله تعالى نبيه ﷺ بتوعدهم بقوله: قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ وقوله تعالى: بِهذا يحتمل أن يشير إلى هذه المقالة: هو شاعر، ويحتمل أن يشير إلى ما هم عليه من