وخص ذكر الْمَشْرِقَيْنِ والْمَغْرِبَيْنِ بالتشريف في إضافة الرب إليهما لعظمهما في المخلوقات وأنهما طرفا آية عظيمة وعبرة وهي الشمس وجريها. وحكى النقاش أن الْمَشْرِقَيْنِ مشرقا الشمس والقمر، والْمَغْرِبَيْنِ كذلك على ما في ذلك من العبر، وكل متجه، ومتى وقع ذكر المشرق والمغرب فهي إشارة إلى الناحيتين بجملتهما، ومتى وقع ذكر المشارق والمغارب فهي إشارة إلى تفصيل مشرق كل يوم ومغربه، ومتى ذكر المشرقان والمغربان، فهي إشارة إلى نهايتي المشارق والمغارب، لأن ذكر نهايتي الشيء ذكر لجميعه. قال مجاهد: هو مشرق الصيف ومغربه، ومشرق الشتاء ومغربه.
قوله عز وجل:
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٩ الى ٢٨]
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ معناه: أرسلهما إرسالا غير منحاز بعضهما من بعض، ومنه مرجت الدابة، ومنه الأمر المريج، أي المختلط الذي لم يتحصل منه شيء، ومنه من مارِجٍ مِنْ نارٍ [الرحمن: ١٥].
واختلف الناس في الْبَحْرَيْنِ فقال الحسن وقتادة: بحر فارس وبحر الروم. وقال الحسن أيضا:
بحر القلزم واليمن وبحر الشام. وقال ابن عباس وابن جبير: هو بحر في السماء وبحر في الأرض. وقال ابن عباس أيضا هو مطر السماء سماه بحرا وبحر الأرض. والظاهر عندي أن قوله تعالى: الْبَحْرَيْنِ يريد بهما نوعي الماء العذب. والأجاج: أي خلطهما في الأرض وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض قريب بعضهما من بعض ولا بغي، والعبرة في هذا التأويل منيرة، وأنشد منذر بن سعيد: [الطويل]
وممزوجة الأمواه لا العذب غالب | على الملح طيبا لا ولا الملح يعذب |
واختلف الناس في قوله: لا يَبْغِيانِ فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة معناه: لا يبغي واحد منهما