اعْتِبَارِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فَحِينَئِذٍ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ وَالشُّكْرِ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ:
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَالسَّبَبُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ لَمْ يَجِبْ شُكْرُهُ لِتَجْوِيزِ أَنَّ غَيْرَهُ حَمَلَهُ/ عَلَى ذَلِكَ الْإِنْعَامِ أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُنَزَّهًا عَنِ الْوَلَدِ وَعَنِ الشَّرِيكِ وَكَانَ مُنَزَّهًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلِيٌّ يَلِي أَمْرَهُ كَانَ مُسْتَوْجِبًا لِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْحَمْدِ وَمُسْتَحِقًّا لِأَجَلِّ أَقْسَامِ الشُّكْرِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّحْمِيدَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِالتَّكْبِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَعَانِي. أَوَّلُهَا: تَكْبِيرُهُ فِي ذَاتِهِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ. وَثَانِيهَا: تَكْبِيرُهُ فِي صِفَاتِهِ وَذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَوَّلُهَا: أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ صِفَةً لَهُ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعِزِّ وَالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ صِفَاتِ النَّقَائِصِ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ وَقُدْرَتُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الْمَقْدُورَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ. وَرَابِعُهَا: أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ كَمَا تَقَدَّسَتْ ذَاتُهُ عَنِ الْحُدُوثِ وَتَنَزَّهَتْ عَنِ التَّغَيُّرِ وَالزَّوَالِ وَالتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ سَرْمَدِيَّةٌ مُنَزَّهَةٌ عَنِ التَّغَيُّرِ وَالزَّوَالِ وَالتَّحَوُّلِ وَالِانْتِقَالِ. النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِنْ تَكْبِيرِ اللَّهِ تَكْبِيرُهُ فِي أَفْعَالِهِ وَعِنْدَ هَذَا تَخْتَلِفُ أَهْلُ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ إِنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ ونكبره ونعظمه على أَنْ يَجْرِيَ فِي سُلْطَانِهِ شَيْءٌ لَا عَلَى وَفْقِ حُكْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فَالْكُلُّ وَاقِعٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ إِنَّا نُكَبِّرُ اللَّهَ وَنُعَظِّمُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِهَذِهِ الْقَبَائِحِ وَالْفَوَاحِشِ بَلْ نَعْتَقِدُ أَنَّ حِكْمَتَهُ تَقْتَضِي التَّنْزِيهَ وَالتَّقْدِيسَ عَنْهَا وَعَنْ إِرَادَتِهَا وَسَمِعْتُ أَنَّ الأستاد أَبَا إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيَّ كَانَ جَالِسًا فِي دَارِ الصَّاحِبِ بْنِ عَبَّادٍ فَدَخَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيُّ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ سُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنِ الْفَحْشَاءِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: سُبْحَانَ مَنْ لَا يُجْرِي فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاءُ «١». النَّوْعُ الرَّابِعُ: تَكْبِيرُ اللَّهِ فِي أَحْكَامِهِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ مَلِكٌ مُطَاعٌ وَلَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالرَّفْعُ وَالْخَفْضُ وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ. النَّوْعُ الْخَامِسُ: تَكْبِيرُ اللَّهِ فِي أَسْمَائِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يُذْكَرَ إِلَّا بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَلَا يُوصَفَ إِلَّا بِصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْعَالِيَةِ الْمُنَزَّهَةِ. النَّوْعُ السَّادِسُ: مِنَ التَّكْبِيرِ هُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّعْظِيمِ وَالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ مِقْدَارَ عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ وَخَاطِرِهِ يَعْتَرِفُ أَنَّ عَقْلَهُ وَفَهْمَهُ لَا يَفِي بِمَعْرِفَةِ جَلَالِ اللَّهِ، وَلِسَانَهُ لَا يَفِي بِشُكْرِهِ، وَجَوَارِحَهُ وَأَعْضَاؤَهُ لَا تَفِي بِخِدْمَتِهِ فَكَبَّرَ اللَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُهُ وَافِيًا بِكُنْهِ مَجْدِهِ وَعِزَّتِهِ.
وَهَذَا أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّعْظِيمِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الرَّحْمَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّهُ الْكَرِيمُ الرَّحِيمُ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يَوْمَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ فِي بَلْدَةِ غِزْنِينَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى نبيه محمد وآله وصحبه وسلم تسليما».