اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ دَلِيلُ ذَلِكَ، وَعَاضَدَهُ، وَبَسَطَهُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا سَبَقَ، فَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ، وَهَكَذَا يَزْدَوِجُ الْكَلَامُ وَيَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَطْفُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ وَلَا أَبَ لَهُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ. قُلْنَا: هَذَا سَاقِطٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَبْطُلُ فَائِدَةُ الْعَطْفِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إبْطَالٌ لِفَائِدَةِ الْكَلَامِ مِنْ الْبَيَانِ، فَإِنَّا كُنَّا نُعْطِي بِذَلِكَ الْأُمَّ السُّدُسَ، وَمَا نَدْرِي مَا نَصْنَعُ بِبَاقِي الْمَالِ؟ فَإِنْ قِيلَ: يُعْطِي لِلْإِخْوَةِ. قُلْنَا: وَهُمْ مَنْ؟ أَوْ كَيْفَ يُعْطِي لَهُمْ؟ فَيَكُونُ الْقَوْلُ مُشْكَلًا غَيْرَ مُبَيَّنٍ وَلَا مُبِينٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ يَبْقَى قِسْمٌ مِنْ الْأَقْسَامِ غَيْرُ مُبَيَّنٍ، وَهُوَ إنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ وَلَهُ أَبٌ وَأُمٌّ فَاعْتِبَارُهُ بِالْبَيَانِ أَوْلَى، وَمَا صَوَّرُوهُ مِنْ أُمٍّ وَإِخْوَةٍ قَدْ بُيِّنَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ﴾ [النساء: ١٢] وَهَذَا مِنْ نَفِيسِ الْكَلَامِ، فَتَأَمَّلُوهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَبَيَّنَ هَاهُنَا فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حَجْبُ الْأُمِّ بِالْإِسْقَاطِ لَهُمْ. الثَّانِي: حَجْبُ النُّقْصَانِ لِلْأُمِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء: ١١] هَذَا قَوْلٌ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ أَنَّهُمْ يَحْجُبُونَهَا حَجْبَ نُقْصَانٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا لَا يَحْجُبَانِهَا؛ وَغَرَضُهُ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ الْجَمْعَ خِلَافُ التَّثْنِيَةِ لَفْظًا وَصِيغَةً، وَهَذِهِ صِيغَةُ الْجَمْعِ فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّثْنِيَةِ.