وَقَالَ مَسْرُوقٌ: يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ ارْتَفَعَتْ الْإِبَاحَةُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِدَامَتِهِ، كَالْعِدَّةِ وَالْإِحْرَامِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ. وَهَذَا لَا جَوَابَ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فِي الضَّرُورَةِ فَتُفَارِقُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَازِمٌ، وَتِلْكَ إبَاحَةٌ مُجَرَّدَةٌ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا عَقْدٌ بِشُرُوطٍ، فَيُعْتَبَرُ بِشُرُوطِهِ، بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ فِي الْمَيْتَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الْحَادِيَة وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ]
ِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: ٢٥]. فِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ صَدَاقٌ، وَكَيْفَ يَجُوزُ هَذَا وَنِكَاحٌ بِغَيْرِ صَدَاقٍ سِفَاحٌ؟ وَبَالَغَ فِي الرَّدِّ، وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ نِكَاحَ كُلِّ امْرَأَةٍ، فَقَرَنَهُ بِذَكَرِ الصَّدَاقِ فَقَالَ فِي الْإِمَاءِ: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٢٥]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة: ٥]. وَقَالَ أَيْضًا: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠]؛ فَكَيْفَ يَخْلُو عَنْهُ عَقْدُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ بِأَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ فِي الْعَقْدِ عَنْهُ لَوَجَبَ بِالْوَطْءِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ تَعَرَّضَ الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لِلرَّدِّ عَلَى إسْمَاعِيلَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ