وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لَا أَمْرَ لَهُ، وَبَدَنُهُ كُلُّهُ مُسْتَغْرِقٌ بِحَقِّ السَّيِّدِ؛ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا فُسِخَ النِّكَاحُ وَلَمْ يَجُزْ بِإِجَازَةِ السَّيِّدِ، وَإِذَا جَوَّزَ السَّيِّدُ نِكَاحَ الْعَبْدِ جَازَ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأُنُوثَةِ فِي الْأَمَةِ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ النِّكَاحِ أَلْبَتَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ السَّيِّدُ الْعَقْدَ. قُلْنَا: نَعَمْ، يَجُوزُ؛ وَلَكِنْ لَا تُبَاشِرُهُ هِيَ، بَلْ يَتَوَلَّاهُ مَنْ تَوَلَّاهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ». خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ. وَحَدِيثٌ يَرْوِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا.
[مَسْأَلَة الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء: ٢٥]: هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى أُجْرَةً، وَدَلِيلُ هَذَا أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ الْبُضْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَةَ يُسَمَّى أُجْرَةً. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ النِّكَاحُ مَا هُوَ؟ بَدَنُ الْمَرْأَةِ، أَوْ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ، أَوْ الْحِلُّ؟ وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ عِنْدَ ذِكْرِنَا مَا تُرَدُّ بِهِ الزَّوْجَةُ مِنْ الْعُيُوبِ.


الصفحة التالية
Icon