[مَسْأَلَة فِعْلَ النَّاسِي وَالْخَاطِئِ وَالْمُكْرَهِ]
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا﴾ [النساء: ٣٠]: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّاسِي وَالْخَاطِئِ وَالْمُكْرَهِ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَتَّصِفُ بِالْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ، إلَّا فَرْعٌ وَاحِدٌ مِنْهَا وَهُوَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ، فَإِنَّ فِعْلَهُ يَتَّصِفُ إجْمَاعًا بِالْعُدْوَانِ؛ فَلَا جَرَمَ يُقْتَلُ عِنْدَنَا بِمَنْ قَتَلَهُ، وَلَا يَنْتَصِبُ الْإِكْرَاهُ عُذْرًا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا﴾ [النساء: ٣٠]: اُخْتُلِفَ فِي مَرْجِعِهِ؛ فَقِيلَ إلَى مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] إلَى هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ وَعِيدُهُ فِيهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَ وَعِيدِهِ جَاءَ مَعَهُ مَخْصُوصًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ أَيْضًا؛ إذْ لَا تَنَاقُضَ فِيهِ؛ بَلْ فِيهِ تَأْكِيدٌ [لَهُ].
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَاهُنَا دَقِيقَةٌ أَغْفَلَهَا الْعُلَمَاءُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهَا إذَا نَزَلَتْ لَا نَعْلَمُ هَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ مَا سَبَقَهَا مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إلَى هُنَا مُنَزَّلًا مَكْتُوبًا، أَمْ نَزَلَ جَمِيعُهُ بَعْدَ نُزُولِهَا؟ وَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَقَدَّمَ نُزُولًا وَكِتَابَةً لَا يَقْتَضِي قَوْلُهُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ دُونَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ دُونَ جَمِيعِ مَا فِيهِ مِنْ مَمْنُوعٍ مُحَرَّمٍ. فَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ذَلِكَ﴾ [النساء: ٣٠] يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] يَقِينًا؛ وَغَيْرُهُ مُحْتَمَلٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة الرَّابِعَة وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ]
الْآيَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٣٢].