وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ التَّصْدِيقُ فَقَدْ وَافَقَ مُطْلَقَ اللُّغَةِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْأَمَانِ قَالَ النَّابِغَةُ:
وَالْمُؤْمِنُ الْعَائِذَاتِ الطَّيْرَ يَمْسَحُهَا | رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الْغَيْلِ وَالسِّنْدِ |
فَإِذَا عَلِمَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلْيَتَكَلَّمْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِمَا عَلِمَ فَلْيَعْمَلْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ، فَيَطَّرِدُ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ وَالْعِلْمُ، فَيَقَعُ إيمَانًا لُغَوِيًّا شَرْعِيًّا؛ أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْفِعْلَ تَصْدِيقًا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥٤] وَصِدْقُ الْوَعْدِ اتِّصَالُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَجَازٌ.
قُلْنَا: هَذِهِ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣].
وَعَلَى ضِدِّهِ جَاءَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ».
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الزِّيَادَةِ فِيهِمَا وَالنُّقْصَانِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْمَعْرِفَةُ أَوْ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَأَبْعَدَ الزِّيَادَةَ فِيهِ وَالنُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهَا