أَوْ قَالَ: فِي نَوَاحِي جُرْجَانَ، وَقَدْ نَبَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُ أُصُولِ كَرْمٍ وَقَدْ طَالَتْ وَأَثْمَرَتْ، وَهِيَ مَعْرُوشَةٌ عَلَى قَبْرِهِ، وَمَكْتُوبٌ عَلَى الْقَبْرِ" هَذَا قَبْرُ أَبِي مِحْجَنٍ" قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ وَأَذْكُرُ قَوْلَهُ:
إِذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ
ثُمَّ إِنَّ الشَّارِبَ يَصِيرُ ضُحْكَةً لِلْعُقَلَاءِ، فَيَلْعَبُ بِبَوْلِهِ وَعَذِرَتِهِ، وَرُبَّمَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ، حَتَّى رُئِيَ بَعْضُهُمْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَوْلِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ وَرُئِيَ بَعْضُهُمْ وَالْكَلْبُ يَلْحَسُ وَجْهَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: أَكْرَمَكَ اللَّهُ. وَأَمَّا الْقِمَارُ فَيُورِثُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَاطِلِ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) أَمَّا فِي الْخَمْرِ فَرِبْحُ التِّجَارَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِبُونَهَا مِنَ الشَّامِ بِرُخْصٍ فَيَبِيعُونَهَا فِي الْحِجَازِ بِرِبْحٍ، وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ المماكسة فِيهَا، فَيَشْتَرِي طَالِبُ الْخَمْرِ الْخَمْرَ بِالثَّمَنِ الْغَالِي. هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي مَنْفَعَتِهَا، وَقَدْ قِيلَ فِي مَنَافِعِهَا: إِنَّهَا تَهْضِمُ الطَّعَامَ، وَتُقَوِّي الضَّعْفَ، وَتُعِينُ عَلَى الْبَاهِ، وَتُسَخِّي الْبَخِيلَ، وَتُشَجِّعَ الْجَبَانَ، وَتَصُفِّي اللَّوْنَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اللَّذَّةِ بِهَا. وَقَدْ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا «١» اللِّقَاءُ
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَاحِهَا. وَقَالَ آخَرُ «٢»:
فَإِذَا شَرِبْتُ فَإِنَّنِي رَبُّ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ
وَإِذَا صَحَوْتُ فَإِنَّنِي رَبُّ الشُّوَيْهَةِ وَالْبَعِيرِ
وَمَنْفَعَةُ الْمَيْسِرِ مَصِيرُ الشَّيْءِ إِلَى الْإِنْسَانِ فِي الْقِمَارِ بِغَيْرِ كَدٍّ وَلَا تَعَبٍ، فَكَانُوا يَشْتَرُونَ الْجَزُورَ وَيَضْرِبُونَ بِسِهَامِهِمْ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنَ اللَّحْمِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ، وَمَنْ بَقِيَ سَهْمُهُ آخِرًا كَانَ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْجَزُورِ كُلِّهِ وَلَا يَكُونُ له من اللحم شي. وَقِيلَ: مَنْفَعَتُهُ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْمَحَاوِيجِ، فَإِنَّ مَنْ قَمَرَ مِنْهُمْ كَانَ لَا يَأْكُلُ مِنَ الْجَزُورِ وكان يفرقه في المحتاجين.
(١). النهنهة: الكف والمنع.
(٢). هو المنخل اليشكري.


الصفحة التالية
Icon