بِشَرَابِهِ، لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ. وَالْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلُ، لِأَنَّهُ اقْتَرَنَ بِذِكْرِ الْأَمْوَالِ الْأَمْرُ بِحِفْظِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى. وَقِيلَ: إِنَّ السَّائِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. وَقِيلَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِمُلَابَسَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى فِي مُؤَاكَلَتِهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. الثانية- لما أذن الله عز وجل فِي مُخَالَطَةِ الْأَيْتَامِ مَعَ قَصْدِ الْإِصْلَاحِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِمْ وَفِيهِمْ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ فِي الْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى الْإِطْلَاقِ لِهَذِهِ الْآيَةِ. فَإِذَا كَفَلَ الرَّجُلُ الْيَتِيمَ وَحَازَهُ وَكَانَ فِي نَظَرِهِ جَازَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ وَالٍ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْآيَةَ مُطْلَقَةٌ وَالْكَفَالَةُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ. لَمْ يُؤْثَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَنَّهُ قَدَّمَ أَحَدًا عَلَى يَتِيمٍ مَعَ وجودهم في أزمنتهم، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقْتَصِرُونَ عَلَى كَوْنِهِمْ عِنْدَهُمْ. الثَّالِثَةُ- تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ فِي دَفْعِ مَالِ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَالتِّجَارَةَ فِيهِ، وَفِي جَوَازِ خَلْطِ مَالِهِ بِمَالِهِ، دلالة على جواز التصرف في مال بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إِذَا وَافَقَ الصَّلَاحَ، وَجَوَازِ دَفْعِهِ مُضَارَبَةً، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مُبَيَّنًا. وَاخْتُلِفَ فِي عَمَلِهِ هُوَ قِرَاضًا، فَمَنَعَهُ أَشْهَبُ، وَقَاسَهُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ أَنْ يَبِيعَ لَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذَا أَخَذَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ بِنِسْبَةِ قِرَاضِ مِثْلِهِ فِيهِ أُمْضِيَ، كَشِرَائِهِ شَيْئًا لِلْيَتِيمِ بِتَعَقُّبٍ «١» فَيَكُونُ أَحْسَنَ لِلْيَتِيمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ لَهُ بِالدَّيْنِ إِنْ رَأَى ذَلِكَ نَظَرًا. قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي عُرْسِ الْيَتِيمِ مَا يَصْلُحُ مِنْ صَنِيعٍ وَطِيبٍ، وَمَصْلَحَتُهُ بِقَدْرِ حَالِهِ وَحَالِ مَنْ يُزَوَّجُ إِلَيْهِ، وَبِقَدْرِ كَثْرَةِ مَالِهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي خِتَانِهِ، فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يُتَّهَمَ رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى السُّلْطَانِ فَيَأْمُرُهُ بِالْقَصْدِ، وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُحَابَاةِ وَسُوءِ النَّظَرِ فَلَا يَجُوزُ. وَدَلَّ الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ يُعَلِّمُهُ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَسْتَأْجِرُ لَهُ وَيُؤَاجِرُهُ مِمَّنْ يُعَلِّمُهُ الصِّنَاعَاتِ. وَإِذَا وهب لليتيم شي فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبِضَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِصْلَاحِ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي" النِّسَاءِ «٢» " إِنْ شاء الله تعالى.
(٢). راجع ج ٥ ص ٣٤ وما بعدها.