وَلِيُّهَا فَعَقَدَتِ النِّكَاحَ بِنَفْسِهَا جَازَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا وَلَّتْ أَمْرَهَا «١» رَجُلًا فَزَوَّجَهَا كُفُؤًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَرَبِيَّةً تَزَوَّجَتْ مَوْلًى، وَهَذَا نَحْوُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى مَا يَأْتِي. وَحَمَلَ الْقَائِلُونَ بِمَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّعْبِيِّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ" عَلَى الْكَمَالِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ" وَ" لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ". وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ"، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «٢» "، وَبِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: امْرَأَةٌ أَنَا وَلِيُّهَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِي؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: يُنْظَرُ فِيمَا صَنَعَتْ، فَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا أَجَزْنَا ذَلِكَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِكُفْءٍ جَعَلْنَا ذَلِكَ إِلَيْكَ. وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ غَائِبٌ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رِضَى اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَنْكَحَتْ رَجُلًا هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَخِيهَا فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ بِسِتْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَتْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْدُ أَمَرَتْ رَجُلًا فَأَنْكَحَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ إِنْكَاحٌ. فَالْوَجْهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَرَّرَتِ الْمَهْرَ وَأَحْوَالَ النِّكَاحِ، وَتَوَلَّى الْعَقْدَ أَحَدُ عَصَبَتِهَا، وَنُسِبَ الْعَقْدُ إِلَى عَائِشَةَ لَمَّا كَانَ تَقْرِيرُهُ إِلَيْهَا. الثالثة- ذكر ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَوْلِيَاءِ، مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ مَرَّةً: كُلُّ مَنْ وَضَعَ الْمَرْأَةَ فِي مَنْصِبٍ حَسَنٍ فَهُوَ وَلِيُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْعَصَبَةِ أَوْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوِ الْأَجَانِبِ أَوِ الْإِمَامَ أَوِ الْوَصِيَّ. وَقَالَ مَرَّةً: الْأَوْلِيَاءُ مِنَ الْعَصَبَةِ، فَمَنْ وَضَعَهَا مِنْهُمْ فِي مَنْصِبٍ حَسَنٍ فَهُوَ وَلِيٌّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا زَوَّجَهَا غَيْرُ وَلِيِّهَا بِإِذْنِهَا فَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةً لَهَا فِي النَّاسِ حَالٌ كَانَ وَلِيُّهَا
بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَتْ دَنِيئَةً كَالْمُعْتَقَةِ والسوداء «٣» والسعاية «٤» والمسلمانية «٥»، ومن
(٢). آية ٢٣٤ سورة البقرة.
(٣). قال مالك: هم قوم من القبط يقدمون من مصر إلى المدينة.
(٤). السعاية: البغي.
(٥). في الأصول:" الإسلامية" والتصويب عن شرح الخرشي وحاشية العدوى.