وَرُوِيَ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ أَنَّ الْآيَةَ النَّاسِخَةَ لِقَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي (الْأَنْفَالِ): (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «١») رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ (النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) لَهُ. وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ تَبَنَّوْا غَيْرَ أَبْنَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَوَرِثُوا فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى ذَوِي الرَّحِمِ وَالْعَصَبَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَوْلُهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) مُحْكَمٌ وَلَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُعْطُوا الْحُلَفَاءَ أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الطبري عن ابن عباس. (والذين عقدت أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ «٢» وَيُوصِي لَهُمْ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ. قُلْتُ- وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ، وَرَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَلَا يَصِحُّ النَّسْخُ، فَإِنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ. وَسَيَأْتِي مِيرَاثُ (ذَوِي الْأَرْحَامِ) فِي (الْأَنْفَالِ) ١ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّانِيةُ- (كُلُّ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهَا الْإِحَاطَةُ وَالْعُمُومُ. فَإِذَا جَاءَتْ مُفْرَدَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أَجَازَ مَرَرْتُ بِكُلٍّ، مِثْلَ قَبْلُ وَبَعْدُ. وَتَقْدِيرُ الْحَذْفِ: وَلِكُلِّ أَحَدٍ جَعَلْنَا مَوَالِيَ، يَعْنِي وَرَثَةً. (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) يَعْنِي بِالْحَلِفِ، عَنْ قَتَادَةَ. وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دَمِيَ دَمُكَ، وَهَدْمِي هَدْمُكَ «٣»، وَثَأْرِي ثَأْرُكَ، وَحَرْبِي حَرْبُكَ، وَسِلْمِي سِلْمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ، وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ، فَيَكُونُ لِلْحَلِيفِ السُّدُسُ مِنْ مِيرَاثِ الْحَلِيفِ ثُمَّ نُسِخَ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَوالِيَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْلَى لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى وُجُوهٍ، فَيُسَمَّى الْمُعْتِقُ مَوْلًى وَالْمُعْتَقُ مَوْلًى. وَيُقَالُ «٤»: الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَالْأَعْلَى أيضا. ويسمى
(٢). الرفد (بكسر الراء): العطاء والصلة.
(٣). قوله: هدمي هدمك، أي نحن شي واحد في النصرة، تغضبون لنا ونغضب لكم.
(٤). في وو ج وز: كمثل ويقال. وفي ط: كمثل المولى الأسفل.