مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قَوْمٌ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، ثُمَّ حُذِفَ. وَهَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ:
لَوْ قُلْتُ مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تِيثَمِ «١» | يَفْضُلُهَا في حسب ومبسم |
قَالُوا: الْمَعْنَى لَوْ قُلْتُ مَا فِي قَوْمِهَا أَحَدٌ يَفْضُلُهَا، ثُمَّ حُذِفَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْمَحْذُوفُ (مَنْ) الْمَعْنَى: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُونَ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ
«٢») أَيْ مَنْ لَهُ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فَظَلُّوا وَمِنْهُمْ دَمْعُهُ سَابِقٌ «٣» لَهُ | وَآخَرُ يُذْرِي «٤» عَبْرَةَ الْعَيْنِ بِالْهَمْلِ |
يُرِيدُ وَمِنْهُمْ مَنْ دَمْعُهُ، فَحَذَفَ الْمَوْصُولَ. وَأَنْكَرَهُ الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ، لِأَنَّ حَذْفَ الْمَوْصُولِ كَحَذْفِ بَعْضِ الْكَلِمَةِ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ (الْكَلَامَ). قَالَ النَّحَّاسُ: وَ (الْكَلِمَ) فِي هَذَا أَوْلَى، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحَرِّفُونَ كَلِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مَا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَيْسَ يُحَرِّفُونَ جَمِيعَ الْكَلَامِ، وَمَعْنَى (يُحَرِّفُونَ) يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ. وَذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يفعلونه متعمدين. وقيل: (عَنْ مَواضِعِهِ) يَعْنِي صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا) أَيْ سَمِعْنَا قَوْلَكَ وَعَصَيْنَا أَمْرَكَ. (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) قَالَ ابن عباس: كانوا يقولون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ، هَذَا مُرَادُهُمْ- لَعَنَهُمُ اللَّهُ- وَهُمْ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ مَكْرُوهًا وَلَا أَذًى. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ غَيْرَ مُسْمَعٍ مِنْكَ، أَيْ مَقْبُولٍ وَلَا مُجَابٍ إِلَى مَا تَقُولُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ غَيْرَ مسموع منك. وتقدم القول في (راعِنا) ٤. وَمَعْنَى (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) أَيْ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْحَقِّ أَيْ يُمِيلُونَهَا إِلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ. واصل اللي القتل، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَإِنْ شِئْتَ كَانَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ. وَأَصْلُهُ لَوْيًا ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ. (وَطَعْناً) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ أَيْ يطعنون في الذين، أَيْ يَقُولُونَ لِأَصْحَابِهِمْ لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَدَرَى أَنَّنَا نَسُبُّهُ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ هذا القول. ومعنى (أَقْوَمَ) أصوب لهم