١٧٠ - آل عمران
الإسناد إلى ضميرِه عليهِ السَّلامُ أو ضمير مَنْ يحسَب وقيل إلى الذين قُتلوا والمفعولُ الأولُ محذوفٌ لأنه في الأصل مبتدأٌ جائز الحذف عندالقرينة والتقديرُ ولا يحسَبنّهم الذين قُتلوا أمواتاً أي لا يحسبن الذين قُتلوا أنفسَهم أمواتاً على أن المرادَ من توجيه النهي إليهم تنبيهُ السامعين على أنهم أحِقاءُ بأن يَسْلُوا بذلك ويَبْشُروا بالحياة الأبديةِ والكرامةِ السنية والنعيمِ المقيمِ لكن لا في جميعِ أوقاتِهم بل عند ابتداءِ القتلِ إذ بعد تبيُّن حالِهم لهم لا يبقى لاعتبار تسليتِهم وتبشيرِهم فائدة ولا لتنبيه السامعين وتذكيرهم وجه وقرئ قتلوا بالتشديد لكثرة المقتولين
﴿بَلْ أَحْيَاء﴾ أي بل هم احياء وقرئ منصوباً أي بلِ احسَبْهم أحياءً على أن الحُسبانَ بمعنى اليقينِ كما في قوله... حسِبتُ التقي والمجدَ خيرَ تجارة... رَباحاً إذا ما المرءُ أصبح ثاقلاً...
أو على أنه واردٌ على طريق المشاكلةِ
﴿عِندَ رَبّهِمْ﴾ في محلِ الرفعِ على أنه خبرٌ ثانٍ للمبتدأ المقدرِ أو صفةٌ لأحياءٌ أو في محلِّ النَّصبِ على أنه حال من الضمير في أحياءٌ وقيل هو ظرفٌ لأحياء أو للفعل بعده والمرادُ بالعندية التقربُ والزلفى وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التَّربيةِ والتبليغِ إلى الكمال مع الإضافةِ إلى ضميرِهم مزيدُ تكرمةٍ لهم
﴿يُرْزَقُونَ﴾ أي من الجنة وفيه تأكيدٌ لكونهم أحياءً وتحقيقٌ لمعنى حياتِهم قال الإمام الواحدي الأصحُ في حياة الشهداءِ ما رُوي عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم من أنَّ أرواحَهم في أجوافٍ طيورٍ خُضْرٍ وأنهم يُرزقون ويأكْلون ويتنعمون ورُوي عنه عليه السلام أنه قال لما أصيب إخوانُكم بأحُدٍ جعل الله أرواحَهم في أجواف طيور خضر تدور في أنهار الجنة وروي ترِدُ أنهارَ الجنةِ وتأكُل من ثمارها وتسرَح من الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديلَ من ذهب معلقةٍ في ظل العرشِ وفيه دَلالةٌ على أن روحَ الإنسانِ جسمٌ لطيفٌ لا يفنى بخراب البَدَن ولا يتوقف عليه إدراكُه وتألُّمه والتذاذُه ومن قال بتجريد النفوسِ البشريةِ يقول المرادُ أن نفوسَ الشهداءِ تتمثل طيوراً خُضْراً أو تتعلق بها فتلتذّ بما ذكر وقيل المرادُ أنها تتعلق بالأفلاك والكواكبِ فتلتذ بذلك وتكتسب زيادةَ كمال
﴿فرحين بما آتاهم الله من فَضْلِهِ﴾ وهو شرفُ الشهادةِ والفوزُ بالحياة الأبديةِ والزُلفى من الله عز وجل والتمتُّع بالنعيم المخلِّد عاجلاً
﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ﴾ يُسِرّون بالبشارة
﴿بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم﴾ أي بإخوانهم الذين لم يُقتلوا بعدُ في سبيل الله فيلحقوا بهم
﴿مّنْ خَلْفِهِمْ﴾ متعلقٌ بيلحقوا والمعنى أنهم بقُوا بعدهم وهم قد تقدموهم أو بمحذوفٍ وقعَ حالاً من فاعل يلحقوا أيْ لمْ يلحقُوا بهمْ حالَ كونِهم متخلِّفين عنهم باقين في الدنيا
﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ بدلٌ من الذين بدلَ اشتمالٍ مبينٍ لكون استبشارِهم بحال إخوانِهم لا بذواتهم وإنْ هي المخففةُ من أنّ واسمُها ضميرُ الشأنِ المحذوفِ وخبرُها الجملةُ المنفية أي ويستبشرون بما تبين لهم من حسن حالِ إخوانِهم الذين تركوهم وهو أنهم عند قتلِهم يفوزون بحياة أبديةٍ لا يكدرها خوف وقوعُ محذور ولا حزنٌ فوات مطلوبٍ أو لاَ خوفٌ عَلَيْهِمْ في الدنيا من القتل فإنه عينُ الحياةِ التي يجب أن يرغب فيها فضلا


الصفحة التالية
Icon