١٨٠ - آل عمران
فيُجعل ذلك عِياراً على عقائدكم وشاهداً بضمائركم حتى يعلمَ بعضُكم بما في قلب بعض بطريق الاستدلالِ لا من جهة الوقوفِ على ذات الصدورِ فإن ذلك مما استأثر الله تعالى به وأنت خبيرٌ بأن الاستدراك باجتباء الرسل المنبئ عن مزيد مزيتِهم وفضلِ معرفتِهم على الخلق إثرَ بيانِ قصورِ رتبتِهم عن الوقوف على خفايا السرائرِ صريحٌ في أنَّ المرادَ إظهارُ تلك السرائرِ بطريق الوحيِ لا بطريق التكليفِ بما يؤدي إلى خروج أسرارِهم عن رتبة الخفاءِ وأقربُ من ذلك حملُ الآيةِ الكريمةِ على أنَّ تكون مسوقةً لبيان الحِكمة في إملائه تعالى للكفرة إثر بيان شريته لهم فالمعنى ما كان الله ليذر المخلِصين على الاختلاط أبداً كما تركهم كذلك إلى الآن لسرَ يقتضيه بل يفرُز عنهم المنافقين ولذلك فعله يومئذ حيث خلّى الكفرةَ وشأنَهم فأبرز لهم صورةَ الغَلَبةِ فأظهر مَنْ في قلوبهم مرضٌ ما فيها من الخبائث وافتضحوا على رءوس الأشهادِ وقيل قال الكافرون إن كان محمدٌ صادقاً فليُخبِرْنا مَنْ يؤمن منا ومن يكفرُ فنزلت
﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ﴾ أي بما ذكر حقَّ الإيمان
﴿وَتَتَّقُواْ﴾ أي عدمَ مراعاةِ حقوقِه أو النفاقَ
﴿فَلَكُمْ﴾ بمقابلة ذلك الإيمانِ والتقوى أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يبلغ كنهه
﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم﴾ بيانٌ لحال البخلِ ووخامةِ عاقبتِه وتخطئةٌ لأهله في توهم خيريته حسَبَ بيانِ حالِ الإملاءِ وإيرادُ ما بخِلوا به بعنوان إيتاءِ الله تعالى إياه من فضله للمبالغة في بيان سوءِ صنيعِهم فإن ذلك من موجبات بَذلِه في سبيله كما في قوله تعالى وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ والفعلُ مسندٌ إلى الموصولُ والمفعولُ الأولُ محذوفٌ لدِلالة الصلةِ عليه وضميرُ الفصل راجعٌ إليه أي لا يحسَبن الباخلون بما آتاهم الله مِن فَضْلِهِ من غير أن يكون لهم مَدخلٌ فيه أو استحقاقٌ له هو خيراً لهم من إنفاقه وقيل الفعلُ مسندٌ إلى ضمير النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أو إلى ضمير من يحسَبُ والمفعولُ الأولُ هو الموصولُ بتقدير مضافٍ والثاني ما ذُكر كما هو كذلك على قراءة الخِطاب أي ولايحسبن بخلَ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم
﴿بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ﴾ التنصيصُ على شرِّيته لهم مع انفهامها من نفي خيريّتِه للمبالغة في ذلك والتنوينُ للتفخيم وقولُه تعالى
﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة﴾ بيانٌ لكيفية شرِّيته أي سيلزَمون وبالَ ما بخِلوا به إلزام الطوق على أنه حذف المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليهِ مقامه للإيذان بكمال المناسبة بينهما وروى عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أنه قال ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله إلا جعل الله له شجاعا في عنقه يوم القيامة وقيل يجعل ما بخل به من الزكاة حيةً في عنقه تنهشُه من قَرنه إلى قدمه وتنقُر رأسَه وتقول أنا مالُك
﴿وَللَّهِ﴾ وحده لا لأحد غيرِه استقلالا أو اشتراكا
﴿ميراث السماوات والارض﴾ أي ما يتوارثه أهلُهما من مال وغيرِه من الرسالات التي يتوارثها أهلُ السمواتِ والأرض فما لهم يبخلون عليه بمُلكه ولا ينفقونه في سبيله أو أنه يرث منهم ما يُمسِكونه ولا ينفقونه في سبيله تعالى عند هلاكهم وتبقى عليهم الحسرةُ والندامة
﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من المنع والبخلِ
﴿خَبِيرٌ﴾ فيجازيكم على ذلك وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موضع الإضمار


الصفحة التالية
Icon