٧٧ - النساء ذلك لتأكيد رغبةِ المؤمنين في القتال وتقويةِ عزائمِهم عليه فإن ولايةِ الله تعالى عَلَمٌ في العزة والقوة كما أن ولايةَ الشيطانِ مَثَلٌ في الذلة والضَّعفِ كأنَّه قيلَ إذَا كانَ الأمرُ كذلك فقاتلوا يا أولياء الله أولياءَ الشيطانِ ثم صرح بالتعليل فقيل
﴿إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً﴾ أي في حد ذاتِه فكيف بالقياس إلى قُدرةِ الله تعالى ولم يتعرّضْ لبيان قوةِ جنابِه تعالى إيذاناً بظهورها قالوا فائدةُ إدخالِ كان في أمثالِ هذهِ المواقعِ التأكيدُ ببيان أنه منذ كان كان كذلك فالمعنى أن كيدَ الشيطانِ منذ كان موصوفاً بالضعف
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ﴾ تعجيب لرسول الله ﷺ من إحجامهم عن القتال مع إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ راغبين فيه حِراصاً عليه بحيث كادوا يباشرونه كما ينبئ عنه الأمرُ بكفّ الأيدي فإن ذلك مُشعرٌ بكونهم بصدد بسطِها إلى العدو بحيث يكادون يسطون بهم قال الكلبي إن جماعةً من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم منهم عبدُ الرحمن بنُ عوفٍ الزُّهري والمقداد بنُ الأسودِ الكنديُّ وقُدامةُ بنُ مظعونٍ الجُمَحي وسعدُ بنُ أبي وقاص الزُّهري رضي اله تعالى عنهم كانوا يلقَوْن من مشركي مكةَ قبل الهجرةِ أذى شديداً فيشكون ذلك إلى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم ويقولون ائذنْ لنا في قتالهم ويقول لهم النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم كُفّوا أيديَكم
﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاة﴾ فإني لم أُومْر بقتالهم وبناءُ القولِ للمفعول مع أن القائلَ هو النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم للإيذان بكون ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى ولأن المقصودَ بالذات والمعتبرَ في التعجيب إنما هو كمالُ رغبتهم في القتال وكونههم بحيث احتاجوا إلى النهي عنه وإنما ذُكر في حيز الصِّلةِ الأمرُ بكف الأيدي لتحقيقه وتصويرِه على طريقة الكنايةِ فلا يتعلق ببيان خصوصة الأمرِ غرضٌ وكانوا في مدة إقامتِهم بمكةَ مستمرِّين على تلك الحالةِ فلما هاجروا مع رسول الله ﷺ إلى المدينة وأُمروا بالقتال في وقعة بدرٍ كرِهَه بعضُهم وشق ذلك عليه لكن لاشكا في الدين ولا رغبةً بل نفوراً عن الإخطار بالأرواح وخوفاً من الموت بموجَب الجِبِلَّة البشريةِ وذلك قولُه تعالى
﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال﴾ الخ وهو عطفٌ على قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ باعتبار مدلولِه الكنائيِّ إذْ حينئذٍ يتحقق التبايُنُ بين مدلولَي المعطوفَين وعليه يدور أمرُ التعجيبِ كأنه قيل أَلَمْ ترَ إِلَى الذين كانوا حِراصاً على القتال فلما كُتب عليهم كرِهَه بعضُهم وقولُه تعالى
﴿إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس﴾ جوابُ لمّا على أن فريقٌ مبتدأٌ ومنهم متعلقٌ بمحذوف وقع صفة له ويخشَوْن خبرُه وتصديرُه بإذا المفاجَأةِ لبيان مسارعتِهم إلى الخشية آثِرَ ذي أثيرٍ من غيرِ تلعثمٍ وترددٍ أي فاجأ فريقٌ منهم أن يخشوا الكفارَ أن يقتلوهم ولعل توجيهَ التعجيبِ إلى الكل مع صدور الخشيةِ عن بعضهم للإيذان بأنه ما كان ينبغي أن يصدُر عن أحدهم ما ينافي حالتَهم الأولى وقولُه تعالى
﴿كَخَشْيَةِ الله﴾ مصدرٌ مضافٌ إلى المفعولِ محلُّه النصبُ على أنَّهُ حال من فاعل يخشَون أي يخشَوْنهم مُشْبِهين لأهل خشيةِ الله تعالى وقوله تعالى
﴿أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ عطفٌ عليه بمعنى أو أشدَّ خشيةً من أهل