٩٧ - آل عمران
من شعائر ملتِه عليه السلام إثرَ بيانِ كفرِهم بكون كلِّ المطعومات حِلاًّ له عليه السلام رُوي أنهم قالوا بيتُ المقدس أعظمُ من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة وقال المسلمين بل الكعبةُ أعظمُ فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فنزلتْ أي إن أولَ بيتٍ وُضع للعبادة وجُعِل مُتعبَّداً لهم والواضعُ هُو الله تعالَى ويؤيِّده القراءةُ على البناء للفاعل وقوله تعالى
﴿لَلَّذِى بِبَكَّةَ﴾ خبرٌ لإن وإنما أُخبر بالمعرفة مع كونِ اسمِها نكرةً لتخصُّصها بسببين الإضافةِ والوصفِ بالجملة بعدها أي لَلْبيتُ الذي ببكةَ أي فيها وفي ترك الموصوفِ من التفخيم مالا يخفى وبكةُ لغةٌ في مكةَ فإن العربَ تعاقِبُ بين الباء والميم كما في قولهم ضربةُ لازبٍ ولازم والنميطُ والنبيط في اسم موضعٍ بالدَّهناء وقولِهم أمرٌ راتبٌ وراتمٌ وسبّد رأسَه وسمّدها وأغبطت الحمى وأغمطت وهي عَلَم للبلد الحرام من بكّة إذا زحَمه لازدحام الناس فيه وعن قتادة يُبكُّ الناسُ بعضُهم بعضاً أو لأنها تُبكُّ أعناقَ الجبابرة أي تدُقُّها لم يقصِدْها جبارٌ إلاقصمه الله عز وجل وقيل بكةُ اسمٌ لبطن مكةَ وقيل لموضع البيتِ وقيل للمسجد نفسِه ومكةُ اسمٌ للبلد كلِّه وأيَّد هذا بأن التَّباكَّ وهو الازدحامُ إنما يقع عند الطوافِ وقيل مكةُ اسمٌ للمسجد والمطاف وبكةٌ اسمٌ للبلد لقوله تعالى ﴿لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً﴾ روي أنه عليه السلام سُئل عن أوَّلُ بيت وُضع للنَّاسِ فقال المسجدُ الحرام ثم بيتُ المقدس وسئل كم بينهما فقال أربعون سنة وقيل أولُ من بناه إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل آدمُ عليه السلام وقد استوفينا ما فيه من الأقاويل في سُورة البقرةِ وقيل أولُ بيتٍ وضعَ بالشرف لا بالزمان
﴿مُبَارَكاً﴾ كثيرَ الخير والنفعِ لِمَا يحصُل لمن حجَّه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله من الثواب وتكفيرِ الذنوب وهو حال من المستكن في الظرف لأن التقديرَ للذي ببكةَ هو والعاملُ فيه ما قُدّر في الظرف من فعل الاستقرار
﴿وهدى للعالمين﴾ لأنه قبلتُهم ومُتعبَّدُهم ولأن فيه آياتٍ عجيبةً دالةٍ على عظيم قدرتِه تعالى وبالغِ حكمتِه كما قال
﴿فيه آيات بينات﴾ واضحاتٌ كانحراف الطيورِ عن موازاة البيتِ على مدى الأعصارِ ومخالطةِ ضواري السباعِ الصيودَ في الحرم من غير تعرُّضٍ لها وقهر الله تعالى لكل جبارٍ قصَده بسوء كأصحاب الفيل والجملةُ مفسرةٌ للهدى أو حالٌ أخرى
﴿مَّقَامِ إبراهيم﴾ أي أثرُ قدميه عليه السلام في الصخرة التي كان عليه السلام يقوم عليها وقتَ رفعِ الحجارةِ لبناء الكعبةِ عند ارتفاعِه أو عند غسلِ رأسِه على مَا رُوي أنَّه عليه السلام جاء زائراً من الشام إلى مكةَ فقالت له امرأةُ إسمعيل عليه السلام انزلْ حتى أغسِلَ رأسَك فلم ينزِل فجاءته بهذا الحجرِ فوضعتْه على شقه الأيمنِ فوضع قدمَه عليه حتى غسَلت شِقَّ رأسِه ثم حولتْه إلى شقه الأيسرِ حتى غسلت الشق الآخر فقى أثرُ قدميه عليه وهو إما مبتدأٌ حُذف خبرُه أي منها مقامُ إبراهيمَ أو بدلٌ من آياتٌ بدلَ البعضِ من الكل أو عطفُ بيانٍ إما وحدَه باعتبار كونِه بمنزلة آياتٍ كثيرةٍ لظهور شأنِه وقوةِ دَلالتِه على قدرة الله تعالى وعلى نبوة إبراهيمَ عليه