١٤٠ - آل عمران
رضوانُ الله تعالَى عليهم أجمعين ومن الأنصار سبعون رجلا رضي الله عنهم أي لا تضعُفوا عن الجهاد بما نالكم من الجراح ولا تحزَنوا على مَنْ قتل منكم
﴿وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ﴾ جملةٌ حاليةٌ من فاعلِ الفعلين أي والحالُ أنكم الأعلَوْن الغالبون دون عدوِّكم فإن مصيرَ أمرِهم إلى الدمار حسبما شاهدتم من أحوال أسلافِهم فهو تصريحٌ بالوعد بالنصر والغلبةِ بعد الإشعار به فيما سبق أو وأنتم المعهودون بغاية علوا الشانِ لما أنكم على الحق وقتالكم لله عز وجل وقَتْلاكم في الجنة وهم على الباطل وقتالُهم للشيطان وقَتْلاهم في النار وقيل وأنتم الأعلَوْن حالاً منهم حيث أصبتم منهم يومَ بدرٍ أكثرَ مما أصابوا منكم اليوم
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ متعلقٌ بالنهي أو بالأعلون وجوابُه محذوفٌ لدَلالة ما تعلق به عليهِ أيْ إنْ كنتُم مؤمنين فلا تهِنوا ولا تحزَنوا فإن الإيمانَ يوجب قوةَ القلب والثقةَ بصنع الله تعالى وعدمَ المبالاة بأعدائه أو إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلَوْن فإن الإيمانَ يقتضي العلوَّ لا محالةَ أو إن كنتم مصدقين بوعد الله تعالى فأنتم الأعلَوْن وأيَاً ما كانَ فالمقصودُ تحقيف المعلقِ بناءً على تحقيقُ المعلَّقِ به كما في قولِ الأجير إنْ كنتُ عمِلتُ لك فأعطني أجري ولذلك قيل معناه إذ كنتم مؤمنين وقيل معناه إنْ بقيتم على الإيمان
﴿إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مّثْلُهُ﴾ القرحُ بالفتح والضم لغتان كالضَّعف والضعف وقد قرئ بهما وقيل هو بالفتح والجراح وبالضم ألمها وقرئ بفتحين وقيل القرح والقرح كالطرد والطرد والمعنى إن نالوا منكم يومَ أحُدٍ فقد نِلتم منهم قبله يومَ بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يُثَبِّطْهم عن معاودتكم بالقتال فأنتم أحقُّ بأن لا تضعُفوا فإنكم ترجون من الله مالا يرجون وقيل كلا المَسَّيْنِ كان يوم أحُد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمرَ رسولِ الله ﷺ قَتلوا منهم نيفاً وعشرين رجلاً منهم صاحبُ لوائِهم وجرحوا عدداً كثيراً وعقَروا عامة خيلِهم بالنبل
﴿وَتِلْكَ الايام﴾ إشارةٌ إلى الأيام الجارية فيما بين الأمم الماضية والآتية كافة لا إلى الأيامِ المعهودةِ خاصةً من يوم بدرٍ ويومِ أحدٍ بل هي داخلةٌ فيها دخولاً أولياً والمرادُ بها أوقاتُ الظَفَرِ والغَلَبةِ
﴿نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس﴾ نُصَرِّفها بينهم نُديلُ لهؤلاء تارةً ولهؤلاء أخرى كقول من قال... فيوماً علينا... ويوماً لنا ويوماً نُساءُ ويوماً نُسَرّ...
والمداولةُ كالمعاورة يقال داولتُه بينهم فتداولوه أي عاورْتُه فتعاوره واسمُ الإشارةِ مبتدأ والأيامُ إما صفةٌ له أو بدلٌ منه أو عطفُ بيان له فنداولها خبره أو خبر فنداولها حالٌ من الأيام والعاملُ معنى اسمِ الإشارةِ أو خبرٌ بعد خبرٍ وصيغةُ المضارعِ الدالةُ على التجدد والاستمرارِ للإيذان بأن تلك المداولةَ سنةٌ مسلوكةٌ فيما بين الأممِ قاطبةً سابقتِها ولاحقتِها وفيه ضربٌ من التسلية وقوله عز وجل
﴿وليعلمَ الله الذين آمنوا﴾ إما من باب التمثيلِ أي ليعامِلَكم معاملةَ من يريد أن يَعلمَ المخلِصين الثابتين على الإيمان من غيرهم أو العلمُ فيه مجاز عن التمييز يطريق إطلاقِ اسمِ السببِ عَلى المسبَّب أي ليُميِّزَ الثابتين على الإيمان من غيرهم كما في قوله تعالى ما كان الله ليذر المؤمنين على مَا أَنتُمْ عليهِ حتى يميز


الصفحة التالية
Icon