والميزان الأمرَ بإيفاء المكيلات والمزونات ويكونُ النهيُ عن البخس عاماً للنقص في المقدار وغيره تعميماً بعد التخصيص كما في قوله تعالى
﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ﴾ فإن العَثَى يعم نقصَ الحقوقِ وغيرَه من أنواع الفسادِ وقيل البخسُ المكسُ كأخذ العشورِ في المعاملات قالَ زُهيرِ بنِ أبي سُلْمى... أفي كل أسواق العراق إتاوة... وفي كل ما باع امرؤٌ مَكْسُ دِرهمِ...
والعثى في الأرض السرقةُ وقطعُ الطريق والغارةُ وفائدةُ الحال إخراجُ ما يُقصد به الإصلاحُ كما فعله الخضرُ عليه السلام من خرق السفينةِ وقتلِ الغلام وقيل معناه وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مفسدين أمْرَ آخرتِكم ومصالحَ دينكم
هود الآية (٨٦ ٨٧)
﴿بقية الله﴾ أي ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزّةِ عن تعاطي المحرمات
﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ مما تجمعون بالبخس والتطفيفِ فإن ذلك هباء منثورا بل شرٌّ محض وإن زعمتم أن فيه خيراً كقوله تعالى يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِى الصدقات
﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ بشرط أن تؤمنوا فإن خيريّتَها باستتباع الثوابِ مع النجاة وذلك مشروطٌ بالإيمان لا محالةَ أو إن كنتم مصدقين لي في مقالتي لكم وقيل البقية الطاعات كقوله عز وجل والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ وقرىء تقيةُ الله بالفوقانية وهي تقواه عن المعاصي
﴿وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ أحفظكم من القبائح أو أحفظ عليكم أعمالَكم فأجازيَكم وإنما أنا ناصحٌ مبلِّغٌ وقد أعذرتُ إذ أنذرتُ ولم آلُ في ذلك جهداً أو ما أنا بحافظ ومستبْقٍ عليكم نِعمَ الله تعالى إن لم تتركوا ما أنتم عليه من سوء الصنيع
﴿قالوا يا شعيب أصلاتك تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يعبد آباؤنا﴾ من الأوثان أجابوا بذلك أمرَه عليه السلام إياهم بعبادة الله وحدَه المتضمنَ لنهيهم عن عبادة الأصنامِ ولقد بالغوا في ذلك وبلغوا أقصى مراتبِ الخلاعة والمُجون والضلال حيث لم يكتفوا بإنكار الوحي الآمرِ بذلك حتى ادّعَوا أن لا أمرَ به من العقل واللُّب أصلاً وأنه من أحكام الوسوسةِ والجنون وعلى ذلك بنوا استفهامَهم وقالوا بطريق الاستهزاءِ أصلاتُك التي هي من نتائج الوسوسةِ وأفاعيلِ المجانين تأمُرك بأن نترك عبادةَ الأوثانِ التي توارَثْناها أباً عن جد وإنما جعلوه عليه السلام مأموراً مع أن الصادرَ عنه إنما هو الأمرِ بعبادة الله تعالى وغير ذلك من الشرائع لأنه عليهِ السلامُ لم يكُنْ يأمرهم بذلك من تلقاءِ نفسِه بَل من جهة الوحي وأنه كان يعلمهم بأنه مأمورٌ بتبليغه إليهم وتخصيصُهم بإسناد الأمر إلى الصلاة من بين سائر أحكامِ النبوة لأنه ﷺ كان كثيرَ الصلاةِ معروفاً بذلك وكانوا إذا رأوه يصلي يتغامزون ويتضاحكون فكانت هي من بين سائر شعائرِ الدينِ ضِحْكةً لهم وقرىء أصلواتُك
﴿أَوْ أَنْ نفعل فى أموالنا ما نشاء﴾ جواب عن أمر عليه السلام بإيفاء الحقوقِ ونهيِه عن البخس والنقصِ معطوفٌ على ما أي أو أن نتركَ أن نفعل فى أموالنا ما نشاء من الأخذ والإعطاءِ والزيادةِ والنقصِ وقرىء بالتاء في الفعلين عطفاً على مفعول تأمُرك أي أصلاتك تأمرك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاء وتجويزُ