هود الآية (١١٥ ١١٦) الغداة والعصرِ وقيل الظُهر موضعَ العصر لأن ما بعد الزوال عشيٌّ وبصلاة الزُلَف المغربُ والعشاء وقرىء زُلُفاً بضمتين وضمة وسكون كبُسْر وبُسُر وزُلفى بمعنى زُلفة كقربى بمعنى قربة
﴿إِنَّ الحسنات﴾ التي من جملتها بل عُمدتُها ما أُمرت به من الصلوات
﴿يُذْهِبْنَ السيئات﴾ التي قلما يخلو منها البشر أي يكفرنها وفي الحديث إن الصلاة إلى الصلاة كفارةٌ لما بينهما ما اجتنب الكبائر وقيل نزلتْ في أبي اليَسَر الأنصاريِّ إذ قبّل امرأةً ثم ندِم فأتى رسول الله ﷺ فأخبره بما فعل فقال ﷺ أنتظرُ أمرَ ربي فلما صلى صلاةَ العصر نزلت قال ﷺ نعم اذهب فإنها كفارةٌ لما عمِلْت أو يمنعْن من اقترافها كقوله تعالى إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عن الفحشاء والمنكر
﴿ذلك﴾ إشارةٌ إلى قوله تعالى فاستقم فما بعده وقيل إلى القرآن
﴿ذكرى للذاكرين﴾ أي عظةٌ للمتعظين
﴿واصبر﴾ على مشاقّ ما أُمِرْت به في تضاعيف الأوامرِ السابقةِ وأما ما نُهيَ عنه من الطغيان والركون إلى الذين ظلموا فليس في الانتهاء عنه مشقةٌ فلا وجهَ لتعميم الصبرِ له اللهم إلا أن يُراد به ما لا يمكن عادة خلوُّ البشرِ عنه من أدنى ميلٍ بحكم الطبيعةِ عن الاستقامة المأمورِ بها ومن يسير ميلٍ بحكم البشرية إلى من وجد منه ظلمٌ ما فإن في الاحتراز عن أمثاله من المشقة ما لا يَخْفى
﴿فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي يوفيهم أجورَ أعمالهم من غير بخسٍ أصلاً وإنما عبِّر عن ذلك بنفي الإضاعةِ مع أن عدمَ إعطاءِ الأجرِ ليس بإضاعةٍ حقيقةً كيف لا والأعمالُ غيرُ موجبةٍ للثواب حتى يلزَم من تخلفه عنها ضياعُها لبيانِ كمالِ نزاهتِه تعالَى عنْ ذلكَ بتصويرِه بصورةِ ما يمتنع صدورُه عنْهُ سبحانَهُ منَ القبائح وإبرازِ الإثابةِ في معرِض الأمورِ الواجبةِ عليه وإنما عدل عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود مع إفادة فائدةٍ عامةٍ لكل من يتصف به وهو تعليلٌ للأمر بالصبر وفيه إيماءٌ إلى أن الصبرَ على ما ذكر من باب الإحسان
﴿فَلَوْلاَ كَانَ﴾ فهلا كان
﴿مّنَ القرون﴾ الكائنةِ
﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ على رأي من جوز حذف الموصول مع بعض صلتِه أو كائنةً من قبلكم
﴿أولوا بَقِيَّةٍ﴾ من الرأي والعقلِ أو أولوا فضلٍ وخير وسُمّيا بها لأن الرجلَ إنما يستبقي مما يخرجه عادة أجودَه وأفضلَه فصار مثلاً في الجودة والفضلِ ويقال فلان من بقيةِ القومِ أي من خيارِهم ومنه ما قيل في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا ويجوز أن تكون البقيةُ بمعنى البقوى كالتقية من التقوى أي فهلا كان منهم ذوو إبقاءٍ على أنفسهم وصيانةٍ لها من سخط الله تعالى وعقابه ويؤيده أنه قرىء أولو بقْيةٍ وهي المرّةُ من مصدر بقاه يَبقيه إذا راقبه وانتظره أي أولو مراقبةِ وخشيةٍ من عذابِ الله تعالى كأنهم ينتظرون نزولَه لإشفاقهم
﴿يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد فِى الارض﴾ الواقعِ منهم حسب ما حكى عنه
﴿إلا قليلا ممن أنجينا مِنْهُمْ﴾ استثناءٌ منقطعٌ أي لكِنْ قليلاً منهم أنجيناهم لكونهم على تلك الصفةِ على أن من للبيان لا للتبعيض لأن جميعَ الناجين ناهون ولا صحة للاتصال على ظاهر الكلامِ


الصفحة التالية
Icon