وَأَعْطَى اللِّوَاءَ (مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ) أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الغلمان يومئذٍ وأخر آخَرِينَ حَتَّى أَمْضَاهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ هَذَا اليوم بقريب من سنتين وتهيأ قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائة فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ (خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ) وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ (عِكْرِمَةَ بْنَ أبي جهل) ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار، ثُمَّ كَانَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ في موضعه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وإذا غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ المؤمنين مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ أي تنزلهم وَتَجْعَلُهُمْ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَحَيْثُ أَمَرْتَهُمْ ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أَيْ سَمِيعٌ لِمَا تَقُولُونَ عَلِيمٌ بِضَمَائِرِكُمْ.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ﴾ الآية قال البخاري، قال عمر: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ﴾ الآية قال: نحن الطائفتان (بنو حارثة) و (بنو سلمة)، وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى: ﴿والله وَلِيُّهُمَا﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ﴾ أي يوم بدر، وكان يوم الجمعة وافق السابع عشر من شهر رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه، هَذَا مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، فَإِنَّهُمْ كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فيهم فارسان وَسَبْعُونَ بَعِيرًا وَالْبَاقُونَ مُشَاةٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الْعَدَدِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ الْعَدُوُّ يَوْمَئِذٍ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةٍ إِلَى الْأَلْفِ فِي سَوَابِغِ الْحَدِيدِ وَالْبَيْضِ وَالْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ، وَالْخُيُولِ المسوَّمة وَالْحُلِيِّ الزَّائِدِ. فَأَعَزَّ اللَّهُ رَسُولَهُ وَأَظْهَرَ وَحْيَهُ وَتَنْزِيلَهُ وَبَيَّضَ وَجْهَ النَّبِيِّ وَقَبِيلَهُ وَأَخْزَى الشَّيْطَانَ وَجِيلَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَحِزْبِهِ الْمُتَّقِينَ، ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأنم أَذِلَّةٌ﴾ أي قليل عددكم لتعلموا أَنَّ النَّصْرَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لا بكثرة العَدَد والعُدَد، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذا أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً﴾ وقال الإمام أحمد، عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِيَاضًا الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء. وقال عمر: إذا كان قتالاً فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ، فَكَتَبَ إِلَيْنَا إنه قد جائني كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونَنِي وَإِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا، وَأَحْصَنُ جُنْدًا، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْتَنْصِرُوهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نصر في يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلِّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فَإِذَا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. قال: فقاتلناهم فهزمناهم أربع فَرَاسِخَ، قَالَ: وَأَصَبْنَا أَمْوَالًا فَتَشَاوَرْنَا. فَأَشَارَ عَلَيْنَا عِيَاضٌ أَنْ نُعْطِيَ عَنْ كُلِّ ذِي رَأْسٍ عشرة. و (بدر) مَحَلَّةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تُعْرَفُ بِبِئْرِهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى رَجُلٍ حَفَرَهَا يُقَالُ لَهُ (بَدْرُ بْنُ النَّارَيْنِ) قَالَ الشَّعْبِيُّ: بَدْرٌ بِئْرٌ لِرَجُلٍ يُسَمَّى بَدْرًا، وَقَوْلُهُ: ﴿فَاتَّقُواْ اللًّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ تقومون بطاعته.
- ١٢٤ - إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ
- ١٢٥ - بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
- ١٢٦ - وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
- ١٢٧ - لِيَقْطَعَ طَرَفاً


الصفحة التالية
Icon