الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفو مَعَ ذَلِكَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ في بعض الآثار: «يقول تعالى يا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْتَ، أَذْكُرُكَ إِذَا غَضِبْتُ فَلَا أُهْلِكُكَ فِيمَنْ أُهْلِكُ» (رَوَاهُ ابْنُ أبي حاتم)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُرعة وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغضب» (أخرجه الإمام أحمد) وقال الإمام أحمد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ من ماله»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ، قَالَ: «اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ مال وارثه أحب إليه من ماله، مالَكَ من مالِكَ إِلاَّ مَا قدمت، وما لوارثك إلا مَا أَخَّرْتَ» قَالَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما تعدون الصرعة فيكم! قلنا الذي لا تصرعه الرجال، قال: «لا، ولكن الذي يملك نفسه عن الغضب». قَالَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتدرون ما الرقوب» قُلْنَا الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ، قَالَ «لَا، ولكن الرقوب الذي لا يقدم من ولده شيئاً» (رواه أحمد وأخرج البخاري النّص الأول منه).
(حديث آخر) قال الإمام أحمد، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أنَس عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ».
(حديث آخَرَ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله جوفه أمناً وإيماناً».
فقوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ أَيْ لَا يَعْمَلُونَ غَضَبَهُمْ فِي النَّاسِ بَلْ يَكُفُّونَ عَنْهُمْ شَرَّهُمْ وَيَحْتَسِبُونَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ أَيْ مَعَ كَفِّ الشَّرِّ يَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَلَا يَبْقَى فِي أَنْفُسِهِمْ مَوْجِدَةً عَلَى أَحَدٍ، وَهَذَا أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فَهَذَا مِنْ مَقَامَاتِ الْإِحْسَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، مَا نَقَصَ مالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، وَمَا زَادَ الله عبداً بعفو إلاعزاً، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ». وَرَوَى الْحَاكِمُ في مستدركه، عَنْ أُبّي بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: «ومن سَرَّهُ أَنْ يُشْرَفَ لَهُ الْبُنْيَانُ وَتُرْفَعَ لَهُ الدَّرَجَاتُ، فَلْيَعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، ويعطِ مَنْ حَرَمَهُ، ويصلْ من قطعه». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى منادٍ يَقُولُ: أَيْنَ الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، وَخُذُوا أجوركم، وحق على كل امرىء مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة" (أخرجه ابن مردويه)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ أَيْ إِذَا صَدَرَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ أَتْبَعُوهُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. قال الإمام أحمد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النبي ﷺ قال: "إن رجلاً أذنب ذنباً فَقَالَ: رَبِّ إِنَّ أذنبت ذنباً فاغفره لي، فَقَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي عَمِلَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبا آخَرَ فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لعبدي، ثم عمل ذنبا آخر فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي عملت ذنباً


الصفحة التالية
Icon