الطَّرِيقِ، فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ يَتَّبِعُهُمْ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الطَّرِيقِ، وَالطَّرِيقُ هُوَ الْإِسْلَامُ (رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ) وَقَالَ قَتَادَةُ ﴿اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ﴾ أَضَلَّتْهُ فِي الأرض: يعني استهوته سيرته، كقوله: ﴿تهوي إِلَيْهِمْ﴾، وقال ابن عباس: هذا مثل ضربه الله لآلهة وَمَنْ يَدْعُو إِلَيْهَا، وَالدُّعَاةُ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى هدى اللَّهِ عزَّ وجلَّ، كَمَثَلِ رَجُلٍ ضَلَّ عَنْ طريق تائهاً، إذ ناداه مناد: يا فلان ابن فُلَانٍ هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ يَا فُلَانُ هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيقِ، فَإِنِ اتَّبَعَ الدَّاعِيَ الْأَوَّلَ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى يُلْقِيَهُ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَإِنْ أَجَابَ مَنْ يَدْعُوهُ إِلَى الْهُدَى اهتدى إلى الطريق، يَقُولُ: مَثَلُ مَنْ يَعْبُدُ هَذِهِ الْآلِهَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ فِي شَيْءٍ حتى يأتيه الموت فيستقبل الندامة والهلكة.
وقوله تعالى: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ﴾ هُمُ الْغِيلَانُ يَدْعُونَهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، فَيَتَّبِعُهَا، وَهُوَ يرى أنه في شيء، فيصبح وقد رمته فِي هَلَكَةٍ، وَرُبَّمَا أَكَلَتْهُ، أَوْ تُلْقِيهِ فِي مضلة من الأرض يهلك فيها عطشاً فبهذا مِثْلُ مَنْ أَجَابَ الْآلِهَةَ الَّتِي تُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وقال مُجَاهِدٍ: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾ قَالَ: رَجُلٌ حَيْرَانُ يَدْعُوهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ وذلك مثل من يضل مِن بَعْدِ أَن هُدِيَ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عباس: هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِهُدَى اللَّهِ، وَهُوَ رَجُلٌ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ، وَعَمِلَ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعْصِيَةِ، وحاد من الْحَقِّ، وَضَلَّ عَنْهُ، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي يَأْمُرُونَهُ بِهِ هُدًى، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس ﴿إِنَّ الهدى هُدَى الله﴾ وَالضَّلَالُ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْجِنُّ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصْحَابَهُ يدعونه إلى الضلال ويزعمون أنه هدى، قال: وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أنهم يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ضَلَالًا وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ هُدًى، وَهُوَ كما قال ابن جرير، فإن السياق يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ فِي حَالِ حِيرَتِهِ وَضَلَالِهِ وَجَهْلِهِ وَجْهُ الْمَحَجَّةِ، وَلَهُ أَصْحَابٌ عَلَى الْمَحَجَّةِ سَائِرُونَ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الذَّهَابِ مَعَهُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَهَدَاهُ وَلَرَدَّ بِهِ إِلَى الطَّرِيقِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ كَمَا قَالَ: ﴿وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾ وَقَالَ: ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أَيْ نُخْلِصُ لَهُ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ﴾ أَيْ وَأُمِرْنَا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَبِتَقْوَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، ﴿وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ أَيْ بِالْعَدْلِ فَهُوَ خَالِقُهُمَا وَمَالِكُهُمَا وَالْمُدَبِّرُ لَهُمَا وَلِمَنْ فِيهِمَا، وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ﴾ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ كُنْ فَيَكُونُ عَنْ أَمْرِهِ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هو أقرب، واختلف المفسرن فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾، فَقَالَ بعضهم: المراد بالصور هنا جَمْعُ صُورَةٍ أَيْ يَوْمَ يَنْفُخُ فِيهَا فَتَحْيَا. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ كَمَا يُقَالُ: سُورٌ لِسُورِ البلد، وهو جَمْعُ سُورَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّورِ الْقَرْنُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ إِسْرَافِيلَ قَدِ الْتَقَمَ الصور وحنى جبهته متى يؤمر فينفخ» (رواه مسلم في صحيحه) وقال الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ، قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قرن ينفخ فيه».