بل هو ابن أخيه هاران بْنِ آزَرَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ دَخَلَ فِي الذُّرِّيَّةِ تَغْلِيبًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي؟ قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إلها وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾، فإسماعيل عمه دخل فِي آبَائِهِ تَغْلِيبًا، وَكَمَا قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إبليس﴾. فَدَخَلَ إِبْلِيسُ فِي أَمْرِ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ وَذُمَّ على المخالفة، لأنه كان في تَشَبَّهَ بِهِمْ فَعُومِلَ مُعَامَلَتَهُمْ وَدَخَلَ مَعَهُمْ تَغْلِيبًا، وإلاّ فهو كَانَ مِنَ الجن وطبيعته من النَّارُ وَالْمَلَائِكَةُ مِنَ النُّورِ، وَفِي ذِكْرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ أَوْ نُوحٍ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ دَلَالَةٌ عَلَى دُخُولِ وَلَدِ البنات في ذرية الرجل، لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأُمِّهِ (مَرْيَمَ) عَلَيْهَا السَّلَامُ فإنه لا أب له.
روي أن الحجاج أرسل إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَنْعَامِ: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ؟ قَالَ: صَدَقْتَ (رواه ابن أبي حاتم). فَلِهَذَا إِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِذَرِّيَّتِهِ أَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، أَوْ وَهَبَهُمْ دَخَلَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِيهِمْ، فَأَمَّا إِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ بَنِيهِ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَنَوْهُ لِصُلْبِهِ وَبَنُو بَنِيهِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ الْعَرَبِيِّ:
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا، وَبَنَاتُنَا * بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ.
وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيهم أَيْضًا، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» فَسَمَّاهُ ابْنًا، فَدَلَّ عَلَى دُخُولِهِ فِي الْأَبْنَاءِ، وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا تَجَوُّزٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾ ذَكَرَ أُصُولَهُمْ وفروعهم، وذوي طبقتهم وأن الهداية أو الاجتباء شَمَلَهُمْ كُلَّهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أَيْ إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ ﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ تَشْدِيدٌ لِأَمْرِ الشِّرْكِ وتغليظ لشأنه وتعظيم لملابسته كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لئن أشركت لحبطنَّ عملك﴾ الآية، وَهَذَا شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْوُقُوعِ كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين﴾، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ﴾، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الواحد القهار﴾.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ أَيْ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ بِهِمْ وَلُطْفًا مِنَّا بِالْخَلِيقَةِ، ﴿فَإِن يَكْفُرْ بِهَا﴾ أَيْ بِالنُّبُوَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى هَذِهِ الأشياء الثلاثة: الكتاب والحكم والنبوءة، ﴿فَإِن يَكْفُرْ بِهَا﴾ أي بالنبوة، ﴿هؤلاء﴾ يعني أهل مكة (وهو قول ابن عباس والضحّاك وقتادة والسدي وغيرهم)، ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ أَيْ إِنْ يَكْفُرْ بِهَذِهِ النِّعَمِ مَنْ كَفَرَ بِهَا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْأَرْضِ مَنْ عَرَبٍ وَعَجَمٍ وَمِلِّيِينَ وَكِتَابِيِّينَ، فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً آخَرِينَ، أي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَأَتْبَاعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ﴿لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ أي لا يجحدون منها شيئاً ولا يردون


الصفحة التالية
Icon