أنّ الآية منسوخةٌ. هذا مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفًا عن مُعاذ بن جبل، وابن عمر، وسلمة بن الأكوع: من أنهم كانوا - بعد نزول هذه الآية على عَهد رسول الله - ﷺ - في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسُقوط الفدية عنهم، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم؛ وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، فألزموا فرضَ صومه، وبطل الخيار والفديةُ " (١).
وكذلك من الأدلة التي استدلوا بها ما رواه البخاري: "وقال بن نمير حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا بن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد - ﷺ - نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم " (٢).
حجة القائلين بأن الآية محكمة:
قال الطبري: " وقال آخرون ممن قرأ ذلك: "وَعلى الذين يُطيقونه"، لم ينسخ ذلك ولا شيء منه، وهو حكم مثبتٌ من لَدُنْ نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة، وقالوا: إنما تأويل ذلك: وعلى الذين يطيقونه - في حال شبابهم وَحداثتهم، وفي حال صحتهم وقوتهم - إذا مَرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم، فدية طعام مسكين = لا أنَّ القوم كان رُخِّص لهم في الإفطار - وهم على الصوم قادرون - إذا افتدوا.
_________
(١) جامع البيان / الطبري، ج ٢، ص ١٦٨.
(٢) أخرجه البخاري تعليقاً، كتاب الصوم، باب قول النبي - ﷺ - لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصوم في السفر، ج ٢، ص ٦٨٨، ح- ١٨٤٧.


الصفحة التالية
Icon