وكذلك ذكر الطبري أنه قرأ ذلك آخرون ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ وقالوا: إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه، فلهما أن يفطرا ويطعما مكانَ كلّ يوم أفطراه مسكينًا. وقالوا: الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت، لم تنسخ، وأنكروا قول من قال: إنها منسوخة" (١).
وذكر الباحث الدكتور مصطفى زيد ما يؤكد هذا الترجيح، وإن كنت لا أتفق معه في أسلوب طرحه لرفض النسخ فالكل مجتهد، ولكل مجتهد نصيب، وهذ قوله: " ولكنا لا ندري كيف يسوغ في نظر هؤلاء الذين يرون تخيير المقيم الصحيح بين الصوم والفدية - أن يوجب الله عز وجل (في الآية نفسها) الصوم على المريض والمسافر، بدليل إيجاب القضاء عليهما إذا أفطر؟ وبعبارة أخرى: كيف يسوغ في نظرهم أن تكفي الفدية من لا عذر له، ويتحتم القضاء على المعذور الذي يباح له الإفطار بسبب عذره؟.
كذلك لا ندري: كيف يفهم هؤلاء ما تقرره أولى آيات الصيام: من أن الصيام قد كتب علينا، وهي إنما تخاطب المطيقين؛ لأنه لا تكليف إلا بما يطاق، وما تقرره الآية الثانية من أن الصيام قد كتب على التخيير، لا على الإلزام، مع أنهم لم يزعموا أن آية التخيير ناسخة لآية الإلزام؟.
ونحن لا ندري ثالثاً: كيف يسوغ على تفسيرهم هذا أن يقول الله عز وجل، في الآية التي تنسخ التخيير بالتعيين - وهي الآية التي تحتم الصوم على
_________
(١) جامع البيان / الطبري، ج ٢، ص ١٦٤.