أنت الصم، ولا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ولا يسمع الصم)، من أسمع. فإن قلت: الصم لا يسمعون دعاء المبشر كما لا يسمعون دعاء المنذر، فكيف قيل (إِذا ما يُنْذَرُونَ)؟ قلت: اللام في "الصم" إشارة إلى هؤلاء المنذرين، كائنة للعهد لا للجنس. والأصل: "ولا يسمعون إذا ما ينذرون"، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدّهم أسماعهم إذا أنذروا. أى: هم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامّ من آيات الإنذار.
(وَلَئِنْ) مَسَّتْهُمْ من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء، لأذعنوا وذلوا، وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا. وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فيه التفاتٌ.
قوله: (وفي المس والنفحة ثلاثُ مبالغات): واحدةٌ في المس، وثنتان في النفحة، وزاد صاحب "المفتاح" فيها التحقير بواسطة التنكير، واعترض عليه صاحب "التلخيص" وقال: خلافُ التعظيم، مستفادٌ من بناء المرة ومن نفس الكلمة.
وقلتُ: لا ارتياب في أن اعتبار التنكير غير اعتبار البناء؛ لأنك إذا أدخلتَ على هذا البناء حرف التعريف أفاد المرة دون التحقير؛ ولذا أكد البناء في قوله تعالى: (نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ) بالوحدة لما كان المقصود منه الوحدة لا التحقير، فعُلم أن البناء لا يستلزمُ التحقير بل يحتمله باقتضاء المقام كذلك التنكير، ولما اقتضى المقام المبالغة في التقليل والتحقير كما قال: "ولئن مستهم نفحةٌ من هذا الذي يُنذرون به أدنى شيء لأذعنوا" وجب اعتبارُ ما يؤذن بالتحقير من نفس الكلمة، ومن البناء والتنكير، على أن قول صاحب "الكشاف": "في المس والنفحة ثلاث مبالغات" محتملٌ لأن يكون إحداهن بالتنكير.