فإن قلت: كيف توزن الأعمال وإنما هي أعراض؟ قلت: فيه قولان، أحدهما: توزن صحائف الأعمال. والثاني: تجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة. وقرئ "مِثْقالَ حَبَّةٍ" على «كان» التامة، كقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ)] البقرة: ٢٨٠ [. وقرأ ابن عباس ومجاهد: "أَتَيْنا بِها" وهي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة، لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء. وقرأ حميد: "أثبنا بها"، من الثواب. وفي حرف أبىّ: "جئنا بها". وأنث ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة، كقولهم: "ذهبت بعض أصابعه".
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) [الأنبياء: ٤٨].
أي: آتيناهما (الْفُرْقانَ) وهو التوراة وَأتينا به ضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ والمعنى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (آتينا بها)، أي: أحضرناها، قال ابن جني: "آتينا بها" بالمد، ينبغي أن يكون "فاعلنا" لا "أفعلنا"؛ لأنه لو كانت "أفعلنا" لما احتيج إلى الباء، ولقيل: آتيناها، كقوله تعالى: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) [الإسراء: ٥٩] ومضارعها: يُؤاتي مؤاتاةً، وأنا مُؤاتٍ وهو مؤاتي.
قوله: (وأتينا به ضياء وذكرا)، أتى بالباء التجريدي، نحو: رأيتُ بك أسداً، ليوقفك أن العطف من باب قولك: مررتُ بالرجل الكريم، والنسمة المباركة، جُرد من الفرقان- وهو التوراة- شيءٌ يُسمى ضياءً وذكراً، وهما نفسُ التوراة ثم عطف عليه، وإليه الإشارةُ بقوله: "أنه في نفسه ضياءٌ وذكرٌ" وسيجيء في أول ص بيانه إن شاء الله. وقال صاحبُ "الكشفِ": أدخل الواو على الضياء وإن كانت صفةً في المعنى دون اللفظ كما يدخل على الصفة التي هي صفة لفظاً، كقوله تعالى: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)