(مِنْ قَبْلُ) من قبل موسى وهارون عليهما السلام. ومعنى علمه به: أنه علم منه أحوالا بديعة وأسرارا عجيبة وصفات قد رضيها وأحمدها، حتى أهله لمخالته ومخالصته، وهذا كقولك في خير من الناس: "أنا عالم بفلان". فكلامك هذا من الاحتواء على محاسن الأوصاف بمنزل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيهما، قال تعالى: (أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات: ٧]، (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود: ٩٧].
قوله: ((من قبلُ) من قبل موسى وهارون)، قال الإمامُ: هذا قولُ ابن عباس وابن عمر. وفي "معالم التنزيل": من قَبْلِ البلوغ حين خرج من السربِ. وقال القاضي: من قبل محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه.
قلتُ: والذي يقتضيه النظمُ: الأولُ؛ لما سبق أن السورة أسس مبانيها على ذكر النبوة وما يتصلُ بها من ذكر الوحي، وأن ذكر الأنبياء واردٌ لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من حق الظاهر تقدمُ نوحٍ على إبراهيم، وهو على موسى، صلوات الله وسلامه عليهم، لكن المناسبة استدعت تقدم موسى عليه السلام؛ لأن حاله أشبه بحال النبي ﷺ من حيث إيتاء الكتاب، وكثرةُ الدلائل القاهرة، ومقاساةُ الشدة، وثقلُ أعباء النبوة والدعوة، وكثرةُ التوابع والأمة، وأن حال إبراهيم عليه السلام أقربُ إليه من حال نوح عليه السلام، فقد رُوعي في تأخرهم تلك اللطيفة، وهي أن قيل: من قبلُ، ويؤيدُ هذا التأويل قوله تعالى: (وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ) [الأنبياء: ٧٦]، أي: من قبل المذكورين. وفي "المعالم": من قَبْلِ إبراهيم ولُوطٍ عليهما السلامُ. والله اعلمُ بأسرارِ كلامه.