وشهادته على ذلك: إدلاؤه بالحجة عليه، وتصحيحه بها كما تصحح الدعوى بالشهادة، كأنه قال: وأنا أبين ذلك وأبرهن عليه كما تبين الدعاوى بالبينات، لأنى لست مثلكم، فأقول ما لا أقدر على إثباته بالحجة. كما لم تقدروا على الاحتجاج لمذهبكم، ولم تزيدوا على أنكم وجدتم عليه آباءكم.
(وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) [الأنبياء: ٥٨].
قرأ معاذ بن جبل: "بالله". وقرئ: "تولوا"، بمعنى تتولوا. ويقويها قوله (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ)] الصافات: ٩٠ [.
فإن قلت: ما الفرق بين الباء والتاء؟ قلت: إن الباء هي الأصل، والتاء بدل من الواو المبدلة منها، وأن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (شهادته على ذلك)، أي: شهادةُ إبراهيم على معنى قوله: (بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)، ولما كانت الشهادة على خلاف المتعارف، كقوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) [آل عمران: ١٨] الآية، قال: "شهادته على ذلك، إدلاؤه بالحجة عليه"، أي: توصله بها على ما قال. وفي "المُغرب": أدليتُ الدلو: أرسلتها في البئر، ومنه أدلى بالحجة: أحضرها، وفي التنزيل: (وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) [البقرة: ١٨٨]، أي: لا تلقوا أمرها والحكومة فيها. وفلانٌ يدلي إلى الميت بذكر، أي: يتصل.
قوله: (وأبرهن عليه)، "الأساس": حُكي عن الفراء: أبره فلانٌ: جاء بالبرهان، وبرهن مولد، والبرهان: بيانُ الحجة وإيضاحها، من البرهرهة، وهي البيضاء من الجواري.
قوله: (قرأ معاذُ بن جبل: "بالله")، قال الزجاجُ: ولا يصلح التاء في القسم إلا في "الله"، تقول: وحق الله لأفلعن، ولا يجوزُ: تحق الله، والتاء بدلٌ من الواو، ويجوزُ: تالله لأكيدن، وقراءة العامة: بالتاء الفوقانية.
قوله: (وإن التاء فيها زيادة معنى)، وهو التعجب، وذلك أن المقسم عليه بالتاء يجبُ