أنّ قصد إبراهيم صلوات الله عليه لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم، وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضى يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم، وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط رشيق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إن قصد إبراهيم عليه السلام لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم، وإنما قصد تقريره لنفسه، وإثباته لها على أسلوبٍ تعريضي)، قال صاحب "الفرائد": هذا بعيدٌ؛ لأن ذلك إنما يستقيمُ إذا كان الفعلُ دائراً بين الاثنين، فإذا انتفى من أحدهما ثبت بالآخر بالضرورة، وهاهنا ليس كذلك؛ لأن الكسر لم يكن دائراً بين إبراهيم عليه السلامُ وبين الصنم الكبير؛ لاحتمال أن يكو كسرها غير إبراهيم. والنظيرُ الذي ذكره لذلك، ليس الفعلُ دائراً بين الاثنين أيضاً؛ لأنه يمكن أن يكون الفعل للثالث، فإن اتفق أن يكون دائراً بينهما كان صحيحاً، إلا أنه لم يطابق لما نحن فيه. والوجه الثاني وهو أن يقال: "غاظته تلك الأصنامُ" إلى قوله: "كما يُسندُ الفعلُ إلى مباشره، يُسندُ إلى الحامل عليه"، أيضاً ضعيفٌ؛ لأن غيظه من عبادة غير الله تعالى، فاستوى فيه الكبير والصغير.
والجوابُ: أنه دل تقديم الفاعل المعنوي في قوله: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ) على أن الكلام ليس في الفعل لأنه معلومٌ، بل في الفاعل كما مر في قوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) [هود: ٩١]، ودل قولهم: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) وقولهم: (قَالُوا فَاتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ) على أنهم لم يشكوا أن الفاعل هو، فإذن لا يكون قصدهم في قولهم: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا) إلا بأن يُقر بأنه هو، فلما رد بقوله: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) تعريضاً، دار الأمر بين الفاعلين.
وقال صاحب "الفرائد": ويمكن أن يُقال: القضية كما كانت فعلية كانت إمكانية، تقول: زيدٌ كاتبٌ بالإمكان، تريد أنه يمكن الكتابة منه، ولذلك قيل في قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) [القصص: ٨٨]: أي: كان قابلاً للهلاك؛ إذا عرفت هذا فنقول: قوله: (فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) هذا مرتبطٌ بقوله: (إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ)، المعنى: بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون، فاسألوهم إن أمكن هذا الفعلُ من كبيرهم إن كان