فلما ألقمهم الحجر وأخذ بمخانقهم، رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: أنتم الظالمون على الحقيقة، لا من ظلمتموه حين قلتم: من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين.
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) [الأنبياء: ٦٥].
"نكسته": قلبته فجعلت أسفله أعلاه، و"انتكس": انقلب، أى: استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة، ثم انتكسوا وانقلبوا عن تلك الحالة، فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة، وأنّ هؤلاء - مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق - آلهة معبودة، مضارّة منهم. أو انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه السلام مجادلين عنه، حين نفوا عنها القدرة على النطق. أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ألقمهم الحجر)، كنايةٌ عن الإفحام والإسكات.
قوله: (بمخانقهم)، الجوهري: المخنقةُ - بالكسر-: القلادة.
قوله: (مضارةً منهم)، مفعولٌ له لقوله: "في المجادلة"، وقيل: مفعولٌ مطلقٌ، أو: حالٌ من فاعل "أخذوا".
قوله: (أو قُلبوا على رؤوسهم حقيقةً): عطفٌ على قوله: "وانقلبوا عن تلك الحالة، فاخذوا في المجادلة" وكذلك: "أو انتكسوا عن كونهم مُجادلين لإبراهيم"، فهذه وجوهٌ ثلاثةٌ: الوجهان الأولان واردان على التمثيل، قال القاضي: شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفلِ الشيء مُستعلياً على أعلاه. تم كلامُه.
أما على الأول فقوله: (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ) عبارةٌ عن انقلابهم من الفكرة الصالحة إلى الفاسدة، وذلك أنهم لما سمعوا من الخليل كلمة الحق رجعوا إلى أنفسهم، وأصابوا في الفكر، وقال بعضهم لبعض: إنكم أنتم الظالمون بعبادة ما لا ينطقُ ولا ينفعُ ولا يضُر، لا من نسبتم إليه الظلم بقولكم: (مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ)، ثم انقلب رأيهم من الاستقامة إلى التسفل قائلين: هؤلاء معبودةٌ لا شك فيها مع كونها غير ناطقة، ومع أنها