فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها، والحرث إلى أرباب الشاء يقومون عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد، ثم يترادّان. فقال: القضاء ما قضيت، وأمضى الحكم بذلك.
فإن قلت: أحكما بوحي أم باجتهاد؟ قلت: حكما جميعا بالوحي، إلا أن حكومة داود نسخت بحكومة سليمان. وقيل: اجتهدا جميعا، فجاء اجتهاد سليمان عليه السلام أشبه بالصواب.
فإن قلت: ما وجه كل واحدة من الحكومتين؟ قلت: أمّا وجه حكومة داود عليه السلام، فلأن الضرر لما وقع بالغنم فسلمت بجنايتها إلى المجنى عليه، كما قال أبو حنيفة رضى الله عنه في العبد إذا جنى على النفس: يدفعه المولى بذلك أو يفديه. وعند الشافعي رضى الله عنه: يبيعه في ذلك أو يفديه. ولعل قيمة الغنم كانت على قدر النقصان في الحرث.
ووجه حكومة سليمان عليه السلام أنه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الانتفاع بالحرث، من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم، وأوجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان، مثاله ما قال أصحاب الشافعي فيمن غصب عبدا فأبق من يده: أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه بإزاء ما فوّته الغاصب من منافع العبد، فإذا ظهر ترادّا.
فإن قلت: فلو وقعت هذه الواقعة في شريعتنا ما حكمها؟ قلت: أبو حنيفة وأصحابه رضى الله عنهم لا يرون فيه ضمانا بالليل أو بالنهار، إلا أن يكون مع البهيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فسُلمتْ بجنايتها إلى المجني عليه)، قيل: هذا مُقدمٌ على قوله: "فلأن الضرر وقع بالغنم" لأن تسليم الغنم حُكم، وكونُ الضررواقعاً بسبب الغنم علة، والعلةُ متأخرةٌ عن الحكم لفظاً.